عید آخر یهل على أمتنا وهی فی أسوإ أحوالها
عید آخر یهل على أمتنا وهی فی أسوإ أحوالها
تستقبل الأمة العربیة الإسلامیة هذه الأیام مناسبة عزیزة عالیة الرمزیة مشبعة بدلالات التضامن والوحدة والرحمة: عید الفطر المبارک الذی یعقب شهر رمضان المعظم، شهر التوبة والغفران وجهاد النفس والرأفة بالضعیف والمحتاج.
ولا تحجب عنا أمانینا أن یعود عید الفطرالمبارک على أبناء أمتنا جمیعا بالیمن والبرکة، الظرف الذی نستقبل فیه هذا العید، کما استقبلنا الکثیر من الأعیاد من قبله، ضعفاء مشتتین أوطاننا محتلة وجزء غیر یسیر من أبنائنا یسامون العذاب والتنکیل على أیدی اعداء لنا یستغلون ضعفنا الفادح وتراجعنا الحضاری الرهیب لیزدادوا قوة وتحکما فی مصائرنا.
ففی فلسطین یعود عید الفطر على أهل غزة وهم محاصرون یعیشون على الکفاف ویحرم السواد الأعظم من أبنائهم فرحة "اللعبة" والکسوة الجدیدة بفعل الحصار الذی یفرضه العدو الإسرائیلی، وهذا أمر طبیعی من عدو، ولکن ما لیس طبیعیا هو تواطؤ الشقیق معه واجتهاده فی فرض الحصار وإحکامه، وتقاعس بعض أصحاب الثروات الطائلة من العرب فی مد ید العون لأهل غزة، مثلما یتقاعس الساسة فی توظیف أی من أوراقهم –وهی کثیرة- للضغط على العدو وحلفائه لفک الحصار أو على الأقل لتخفیفه.
ولیس أهل الضفة أحسن حالا من أهل القطاع وإن اختلفت الظروف جزئیا وإلى حین فهم یعیشون تحت التهدید الإسرائیلی ینامون ویصحون على الاعتقالات ومصادرة الأراضی وزحف المستوطنات وعلى الجدار العازل یخنق قراهم ویضیّق علیهم فی الرزق.
کذلک یعود العید على الآلاف من أبناء الشعب الفلسطینی بینهم شباب وشیوخ وحتى أطفال ونساء وهم خلف قضبان السجون والمعتقلات الاسرائیلیة منقطعی الأمل من أی فعل عربی یحررهم ویفک أسرهم.
إن أصل المأساة الفلسطینیة هو الاحتلال بتواطؤ قوى عالمیة کبرى، ولکن مکرسها ومعمق جراحاتها هو العجز العربی الناجم أساسا عن الفرقة وتشتت الصفوف، وزاد الأمر سوءا الانقسام السیاسی الفلسطینی الحاد الذی خرج عن کل أخلاقیات التعدد والاختلاف ووصل حد التضاد التام فی الآراء وحتى المصالح وانعکس انقساما مدمرا على الارض بین سلطة فی الضفة وأخرى فی غزة فکانت تلک خدمة تاریخیة أسدتها الطبقة السیاسیة الفلسطینیة للاحتلال الاسرائیلی.
وإذا کان الانقسام الفلسطینی نموذجا عن تفرق کلمة العرب والمسلمین ودرسا عملیا عن کارثیة نتائجه، فإنه سمة بارزة لحال الأمة جمیعا، فی العراق ولبنان والصومال وغیرها.
ففی العراق –وفی خروج واضح عن تعالیم الدین الحنیف- یقتل الناس بعضهم بعضا فی الشوارع ومقرات العمل، لا بل فی المساجد والحسینیات، قتلا على الهویة حینا، وقتلا مأجورا فی أغلب الأحیان تنفیذا لأجندات أجنبیة من مصلحة أصحابها تمدید التوتر فی العراق إلى أطول فترة ممکنة، ومن مصلحتهم أیضا، لا تدمیر العراق –لأن هذا حدث فعلا- ولکن منع امکانیة نهوضه من جدید.
إن هزیمتنا المدویة الراهنة هی فی بعض وجوهها صدى لسقوط أخلاقی ودینی مدو. فما یتصاعد فی الأعیاد والمناسبات الدینیة من جعجعة اعلامیة عن الطیبة والشهامة والرحمة والتضامن، لا یغدو بمقارعته بواقع ممارساتنا الیومیة کأفراد وکجماعات، وشعوب وساسة، وکأناس عادیین وکنخبة، سوى مجرد شعارات.
فهل من الأخلاق والدین أن نترک أهل غزة وفلسطین عموما لمصیرهم وأن یتبارى ساستنا فی تقدیم التنازلات وعروض السلام السخیة لعدو لم یعرف سوى الحروب وسیلة لتحقیق أهدافه؟
هل من الاخلاق أن نترک العراق لمصیره لقمة سائغة للأعداء إقلیمیین ودولیین؟
هل من الأخلاق أن یقتل العراقی العراقی على الهویة، واللبنانی اللبنانی والصومالی الصومالی؟
بل هل من الأخلاق والدین فی شیء أن تعصف مقابلة فی کرة القدم بعلاقات بلدین عربیین اسلامیین وبمصالح شعبیهما وأن ینخرطا على مرأى من العالم ومسمعه فی معرکة مخجلة تجند فیها من یعتبرون أنفسهم صفوة المجتمع ونخبته؟..
مثل هذه الأوضاع العربیة تجعل من الحری بنا بمناسبة عید الفطر المبارک أن نقف وقفة تأمّل بشأن مدى التزامنا بتعالیم دیننا الحنیف وأخلاقیاته فی معانیه الانسانیة العمیقة باعتباره دینا للتراحم والوحدة لا للتباغض والتناحر، دینا للوسطیة والاعتدال، لا للتشدد والتطرف، دینا للإعمار والحیاة، لا دینا للدمار والموت.
إن الکثیر من الشواهد القائمة فی واقعنا الیوم تؤکد أن الکثیر مما نحن فیه من هزیمة شاملة وتراجع مستمر سببه الانحراف عن التعالیم الصحیحة لدیننا الحنیف الذی أنزله الله على نبینا الأکرم رحمة لنا فصیرته طائفة من الجهلة إلى نقمة وسببا للتباغض والتناحر والاقتتال.
لقد صیرنا الإسلام السمح من حل إلى مشکل، ومنحنا أعداءه فرصة تلبیس صورته المشرقة بالتطرف والإرهاب، وضیقنا علیه فرصة الانتشار ونفرنا منه الأجیال الجدیدة بتعقیده والانصراف عن الجوهری فیه إلى السطحی والشکلی، فصار النقاش بشأن مسائل مظهریة مقدما على المئات من القضایا الجوهریة، وتحولت الفتوى إلى موضة وترف یتبارى فیه الشیوخ ویتطرفون فی فتاویهم الغریبة لیبینوا رسوخ أقدامهم فی العلم وهم فی الحقیقة لا یبینون سوى جهلهم وسطحیتهم وانعدام وظیفتهم فی تقویم مجتمعاتهم وهدایة الناس إلى ما ینفعهم.
إنه عید آخر یهل على أمتنا وهی فی أسوإ أحوالها، ولا نملک غیر التضرع إلى الله أن یخفف البلاء على أشقائنا فی فلسطین والعراق والصومال وباکستان وغیرها، وأن یهدی أصحاب الرأی فینا إلى ما فیه صلاحنا، وأن یجمع شملنا ویوحد کلمتنا. وکل عام وقراء "العرب العالمیة"والشعوب العربیة والاسلامیة کافة بألف خیر.
( عن العرب اون لاین )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS