الفلسطینیون یفتقرون إلى أهم حقوقهم
الفلسطینیون یفتقرون إلى أهم حقوقهم: الحق فی العیش الکریم
التنمیة الفلسطینیة.. بین مطرقة الاحتلال وسندان الفساد
الحق فی"التنمیة" حق من حقوق الجیل الثالث الذی أصبح یحظى بأهمیة کبیرة لم یکن یحظى بها فی وقت سابق، وبدأ الاهتمام فی هذا الحق یتطور شیئا فشیئا، حیث ارتبط مفهوم التنمیة فی بادئ الأمر بعلم الاقتصاد، ثم انتقل إلى حقل السیاسة منذ ستینات القرن الماضی، وظهر کحقل منفرد یهتم بتطویر البلدان غیر الأوروبیة، ولاحقا تطور المفهوم لیرتبط بالعدید من الحقول السیاسیة والاجتماعیة والثقافیة والحقوقیة.
وفی وقت متأخر، ارتبطت التنمیة بالقانون الدولی لحقوق الإنسان. وبذلک برز مفهوم التنمیة باعتباره حقا من حقوق الإنسان، وعلى هذا الأساس یعتبر الإنسان فردا أو عضوا فی جماعة أو شعب، المستفید الأول فی احتیاجاته الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة والسیاسیة التی تصون کرامته وتحقق له السعادة والرفاهیة. ورغم أن مواثیق حقوق الإنسان الدولیة سبق وأن تناولت الحق فی التنمیة، إلا أن أهمیته اکتسبها بعد أن صدر "إعلان الحق فی التنمیة" عن الجمعیة العمومیة للأمم المتحدة عام 1986.
وقد جاء هذا الإعلان فی ظل التطورات والتغییرات التی طرأت على ترکیبة النظام الدولی إثر دخول العدید من بلدان العالم الثالث هیئة الأمم المتحدة بعد أن تحررت من الدول الاستعماریة ونالت استقلالها الوطنی خلال منتصف القرن الماضی.
لقد أعطى إعلان الحق فی التنمیة حقوق الإنسان مضمونا جدیدا، فقد عکس حق الشعوب التی تحررت من ربقة الاستغلال والاستعمار، حق السیطرة على مواردها وخیراتها وثرواتها الطبیعیة، فی سبیل تنمیة مجتمعاتها وتطویرها على کافة الأصعدة السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة. فارتبط حق التنمیة تاریخیا بصراع التحرر من الاستعمار وبذلک فهو مرتبط بحق تقریر المصیر.
ساهم تبنی إعلان الحق فی التنمیة بشکل کبیر فی التطور النظری لمفهوم التنمیة، حیث کانت فیه التنمیة تعنى بتحقیق نمو اقتصادی أو ارتفاع فی دخل الفرد السنوی واعتبار الإنسان على أنه عنصر من عناصر عملیة التنمیة.
إن المجتمع الفلسطینی من أحوج شعوب الدول النامیة إلى إعمال الحق فی التنمیة فی الأراضی الفلسطینیة، من خلال سیطرته على موارده وثرواته الطبیعیة، التی یستغلها الاحتلال الإسرائیلی بصورة شبه کاملة، ما یتطلب وضع سیاسات تنمویة تستند أساسا إلى سن قوانین وتشریعات تنمویة، إضافة إلى ضرورة أن یشکل الدستور الفلسطینی المقترح وثیقة تنمویة عامة، ینطلق منها واضع السیاسة الفلسطینیة فی وضع خططه التنمویة بناءً على الواقع الفلسطینی وأولویاته.
ولکی یتم تعزیز وحمایة حقوق المواطن الفلسطینی لا بد أن یستند الدستور الفلسطینی المقترح والقوانین والتشریعات الفلسطینیة إلى المواثیق والإعلانات الدولیة المتعلقة بحقوق الإنسان وفی مقدمتها الحق فی التنمیة الذی یشکل فی العالم المعاصر جوهر حقوق الإنسان برمتها کما یذهب إلى ذلک الکثیر من الحقوقیین.
الفصل الأول: مدخل عام حول التنمیة
مفهوم التنمیة
یعد مفهوم التنمیة من أهم المفاهیم العالمیة فی القرن العشرین، وأطلقت التنمیة على عملیة تأسیس نظم اقتصادیة وسیاسیة متماسکة، حیث تعرّف على أنها "عملیة متکاملة، ذات أبعاد اقتصادیة واجتماعیة وثقافیة وسیاسیة، تهدف إلى تحقیق التحسن المستمر المتواصل لرفاهیة کل السکان وکل الأفراد، والتی بموجبها یمکن إعمال حقوق الإنسان وحریاته الأساسیة "1".
وتعتبر التنمیة فی دیباجة مشروع إعلان یوغزلافیا أنها: "تطور اقتصادی واجتماعی وثقافی وسیاسی یهدف بلا انقطاع إلى تحسین رفاهیة مجموع السکان وکل الأفراد اعتمادا على قاعدة مشارکتهم الفعلیة والحرة وذات المغزى فی التنمیة، وتوزیع المنافع التی تنتج عنه بکل توازن"2".
وهذا التعریف لمفهوم التنمیة لم ینحصر فی المستوى الاقتصادی فقط بل تعداه إلى الممارسة الفعلیة لجمیع الحقوق بدون استثناء، کما یربط بین التنمیة وحقوق الإنسان فی کونیتها وشمولیتها، ویعتبر الدولة المسؤول الأول والمدین الأساسی للحق فی التنمیة على اعتبار أن: "یقع على عاتق الدول فی الدرجة الأولى إیجاد الشروط المناسبة لتنمیة الشعوب والأفراد" وأن "المسؤولیة الأولى للدولة هی إیجاد الشروط الوطنیة والدولیة المناسبة لتنمیة الشعوب والأفراد".
فیما عرّفها تقریر التنمیة البشریة عام 1998 على أنها: "عملیة توسیع لخیارات الناس بزیادة القدرات البشریة وطرق العمل البشریة "3"، وحددها بثلاث مسائل: الأولى أن یعیش الناس حیاة طویلة وصحیة. والثانیة أن یکونوا مزودین بالمعرفة. والثالثة أن یکون بإمکانهم الحصول على الموارد اللازمة لمستوى معیشة لائق.
وقد برز مفهوم التنمیة Development بصورة أساسیة منذ الحرب العالمیة الثانیة، حیث استخدم بدایة فی علم الاقتصاد للدلالة على عملیة إحداث مجموعة من التغیرات الجذریة فی مجتمع معین؛ بهدف إکساب ذلک المجتمع القدرة على التطور الذاتی المستمر بمعدل یضمن التحسن المتزاید فی نوعیة الحیاة لکل أفراده، بمعنى زیادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجات الأساسیة والحاجات المتزایدة لأعضائه؛ بالصورة التی تکفل زیادة درجات إشباع تلک الحاجات؛ عن طریق الترشید المستمر لاستغلال الموارد الاقتصادیة المتاحة، وحسن توزیع عائد ذلک الاستغلال. ثم انتقل مفهوم التنمیة إلى حقل السیاسة منذ ستینیات القرن العشرین؛ حیث ظهر کحقل منفرد یهتم بتطویر البلدان غیر الأوربیة تجاه الدیمقراطیة. وتعرف التنمیة السیاسیة: بأنها عملیة تغییر اجتماعی متعدد الجوانب، غایته الوصول إلى مستوى الدول الصناعیة، ویقصد بمستوى الدولة الصناعیة إیجاد نظم تعددیة على شاکلة النظم الأوربیة تحقق النمو الاقتصادی والمشارکة الانتخابیة والمنافسة السیاسیة، وترسخ مفاهیم الوطنیة والسیادة والولاء للدولة القومیة. ولاحقا، تطور مفهوم التنمیة لیرتبط بالعدید من الحقول المعرفیة. فأصبح هناک التنمیة الثقافیة التی تسعى لرفع مستوى الثقافة فی المجتمع وترقیة الإنسان، وکذلک التنمیة الاجتماعیة التی تهدف إلى تطویر التفاعلات المجتمعیة بین أطراف المجتمع: الفرد، الجماعة، المؤسسات الاجتماعیة المختلفة، المنظمات الأهلیة. بالإضافة لذلک استحدث مفهوم التنمیة البشریة الذی یهتم بدعم قدرات الفرد وقیاس مستوى معیشته وتحسین أوضاعه فی المجتمع"4".
یستخدم مصطلح التنمیة الحدیث لیشیر إلى عملیات التغییر الإیجابی فی المجتمع، ویستند إلى خطط وبرامج علمیة معدة ومدروسة للوصول إلى الأهداف المرجوة حیث أن التخطیط فی عصر العولمة الاقتصادیة والتجارة الدولیة الحرة هو القاعدة الأساسیة.
وتبرز أهمیة مفهوم التنمیة فی تعدد أبعاده ومستویاته، وتشابکه مع العدید من المفاهیم الأخرى مثل التخطیط والإنتاج والتقدم. حیث یشرف على تنفیذ خطط التنمیة وبرامجها هیئات وطنیة رسمیة وشعبیة بحیث تتعاون جمیع الهیئات والمؤسسات المحلیة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة الثقافیة والتربویة والصحیة بغیة توجیه هذه الجهود بأسالیب حدیثة ومتقدمة للوصول إلى خدمة الجماعات والأفراد والمجتمعات المحلیة المستهدفة.
وتهدف التنمیة المستدامة حسب برنامج الأمم المتحدة إلى القضاء على الفقر، وتعمل على تدعیم کرامة الإنسان وکبریائه، وإعمال حقوقه، وتوفیر فرص متساویة أمام کل الأفراد عن طریق إدارة الدولة والمجتمع، إدارة جیدة.
الفرق بین النمو والتنمیة
هناک من لا یمیز بین النمو والتنمیة، فالنمو یعنی الازدیاد أما التنمیة فهی عملیة شاملة فیمکن أن تکون تنمیة اقتصادیة أو اجتماعیة أو ثقافیة أو سیاسیة، فقد یحصل نمو بالدخل دون أن تحصل تنمیة، فالتنمیة شیء أکثر تعقیدا وشمولا وعقلانیة وعدالة من النمو، فیکاد یقتصر النمو على الجانب الاقتصادی"5".
والنمو الاقتصادی یعنی: "ارتفاع النسبة المئویة للإنتاج العام مقاساً بالأسعار الثابتة، أی الارتفاع الحقیقی للدخل القومی"6". إذن یمکن للبلد الذی یعتمد اقتصاده على إنتاج وتصدیر النفط، الغاز، الفحم، القهوة، أو الحدید، أن یحقق نمواً اقتصادیاً عن طریق رفع إنتاج هذه المواد "طبعاً شریطة أن لا تنخفض أسعار هذه المواد فی الأسواق العالمیة".
إن النمو السریع والقصیر الأجل لا یسفر بالضرورة عن تنمیة اقتصادیة حقیقیة، بمعنى حدوث تغیر فی هیکل أو بنیان الاقتصاد یؤدی إلى تحسن فی حیاة المجتمع، أما التنمیة الاقتصادیة لا ینبغی أن تفهم على أنها تغیر کمالی، سطحی، مرحلی، عابر، یقتصر على عنصر معین من عناصر التنمیة، إنما هی خطة معقدة ومتشابکة تستهدف تغییرا جوهریا فی البنیان الاقتصادی، یمتد لیمس کافة العلاقات الاقتصادیة، ویسفر عن رفع معدل الإنتاجیة "Per Capita Productivity" بقدر کفاءة استخدام الموارد القومیة والعالمیة والمستوى التکنولوجی المتاح، کذلک یرتبط اصطلاح التنمیة الاقتصادیة بالأجل الطویل، فکما ورد أعلاه، قد یکون ارتفاع الدخل القومی لفترات قصیرة، ولا یسفر عن تطورات هامة فی هیکل الاقتصاد؛ لذا یجب أن یکون ارتفاع الناتج القومی مستمراً وغیر منقطع لأجل طویل، والأجل الطویل ینبغی أن لا یقاس ببضع سنین، بل یجب أن یدوم لخمسة عشر عاماً على الأقل. ولا بد للنمو الاقتصادی أن یسبق التنمیة الاقتصادیة، فمن الصعب تصور تنمیة اقتصادیة من غیر ارتفاع الدخل القومی الحقیقی. النمو الاقتصادی إذاً شرط أساسی للتنمیة لکنه لیس دائماً الشرط الأوحد.
مفهوم الحق فی التنمیة
الحق فی التنمیة هو حق من حقوق الإنسان غیر قابل للتصرف ویحق بموجبه لکل فرد ولجمیع الشعوب أن تساهم وتشارک بشکل کامل فی تحقیق التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة والسیاسیة وأن تتمتع بهذه التنمیة بما فی ذلک أعمال جمیع حقوق الإنسان وحریاته الأساسیة إعمالا تاما. کما یشمل الحق فی التنمیة الإعمال الکامل لحق الشعوب فی تقریر مصیرها غیر القابل للتصرف والذی تمارس فیه الشعوب حقها فی السیادة التامة على جمیع ما یتوفر لدیها من ثروات وموارد طبیعیة وکذلک الحق فی الحیاة، وتعتبر هذه الحقوق أسساً لحق التنمیة.
ویعتبر حق التنمیة أنه حق للأفراد وللشعوب وللدول، فهو یتعلق بالفرد ومجموع الأفراد فی المجتمع والجنس البشری ککل.
فعلى صعید الأفراد: فهو حق کل فرد أن یحصل على حصة عادلة من الإنتاج والخدمات التی تقدمها الدولة أو المجموعة التی ینتمی إلیها.
وعلى صعید الدول: فهو حق کل دولة أن تحصل على حصة عادلة فی الرفاه الاقتصادی والاجتماعی العالمی، وحقها أن تأخذ حصة عادلة من الإرث الإنسانی المشترک، مثل کنوز قاع البحار فهی تعتبر إرثا إنسانیا بشکل عام"7".
الحق فی التنمیة ضمن حقوق الإنسان
یتجه فریق من الکتاب إلى تقسیم حقوق الإنسان إلى ثلاثة أجیال:
الجیل الأول: الذی تمخض عن تقریر حقوق الإنسان المدنیة والسیاسیة والذی استند على فکرة "الحریة" وحمایة الفرد فی مواجهة تجاوزات الدولة أو أیة جهة أخرى.
الجیل الثانی: الذی تضمن تقریر الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة للإنسان والذی استند على فکرة "المساواة" واستهدف تأکید واجب الدولة فی تأمین المساواة بین الأفراد فی التمتع بالسلع والخدمات الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة.
الجیل الثالث: الذی یستهدف تقریر "حقوق التضامن" التی تنطوی على الحق فی التنمیة والحق فی السلم والحق فی التمتع ببیئة متوازنة والحق فی المشارکة فی التمتع بمزایا استغلال الإرث الطبیعی المشترک للجنس البشرى. ویستند هذا الجیل الحدیث من حقوق الإنسان على فکرة "الإخاء" بین البشر على اختلاف دولهم"8".
ووفقا لهذا التصنیف فإن الحق فی التنمیة هو أحد حقوق التضامن أی الحقوق التی یطلق علیها حقوق الجیل الثالث. ویعود الفضل إلى الفقیه الفرنسی karel kasek فی تحدید الحقوق التضامنیة، وتسمیتها بالجیل الثالث لحقوق الإنسان، والتی عبرت أساسا عن الحق الجماعی للشعوب، وخاصة شعوب العالم الثالث أو النامی، والتی کانت قد تحررت من عصر الاستعمار.
وجیل الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة، هی حقوق مطلوب توفیرها للإنسان. وجیل الحقوق الجماعیة أو الحقوق التضامنیة، تفرض دورا إیجابیا على کل الأطراف لتحقیقها، الشعوب والحکومات والمجتمع الدولی"9". ولذلک فقط أطلقت بعض التصنیفات على حقوق الجیل الثالث الحقوق الجماعیة کالحق فی التنمیة والحق فی بیئة نظیفة والحق فی السلام العالمی.
وکنموذج على الحقوق الجماعیة، فإن الحق فی التنمیة یحتل أهمیة کبیرة لاسیما وأنه فی زمن التغیرات الکونیة الکبیرة والعولمة، فإن ما نتج وینتج عن ذلک من تغییرات هیکلیة اقتصادیة واجتماعیة وثقافیة فی دول العالم ینطوی على تأثیرات کبیرة على التمتع بحقوق الإنسان جمیعها. فالتنمیة هی نتیجة وسبب فی التعاطی مع حقوق الإنسان، حیث أنها تشکل البیئة الصحیة لاحترام حقوق الإنسان بمختلف أشکالها، وهی نتیجة بالنظر إلى أن حالة التنمیة تعنی فی نهایة الأمر احترام حقوق الإنسان وحریاته الأساسیة وتعزیز مبدأ سیادة القانون وإشراکا اکبر للمواطنین فی الحیاة السیاسیة والاجتماعیة فی أی بلد"10".
ن/25