وکالة الطاقة الذریة والکیل بمکیالین

وکالة الطاقة الذریة والکیل بمکیالین

أزراج عمر

مرة أخرى تکشف وکالة الطاقة الذریة الدولیة عن انحیازها السافر لاسرائیل بعد أن أسقطت المطلب الذی تقدمت به الدول العربیة لإجبار هذه الدولة الاستعماریة على توقیع بروتوکول عدم انتشار الأسلحة النوویة. فادارة الرئیس الامریکی باراک أوباما برّرت معارضتها للطلب العربی على أساس أن المفاوضات الجاریة بین السلطة الفلسطینیة وبین اسرائیل لا تحتمل أی استفزاز للدولة العبریة، وأن المصلحة العلیا لأمریکا تتمثل فی الترکیز على إنجاح المفاوضات لإعلان الدولة الفلسطینیة.

ویلاحظ بأن الدول العربیة التی تقدمت بالطلب لم تفعل شیئا یذکر بعد رفضه من طرف الوکالة الدولیة بدعوى أن الانتخاب علیه لم یکن لصالح الذین تقدموا به. وفی هذا السیاق طلع علینا المتحدث باسم البیت الأبیض قائلا بأن بلاده ترید إخلاء العالم بکامله من کافة أسلحة الدمار الشامل.

على کل حال لا أحد یصدق هذه المزاعم خاصة، وأن الولایات المتحدة الأمریکیة ماضیة فی تطویر برنامجها النووی، وانتاج شتى أسلحة الدمار الشامل فضلا عن السعی الحثیث لإقامة القواعد العسکریة الجدیدة، وتوسیع القدیمة منها فی العدید من الأماکن فی المعمورة. وهنا نتساءل: هل یکفی تقدیم الطلب لإجبار الدولة العبریة على الکشف أولا عن ترسانتها النوویة ثم تفکیکها؟ وما الذی ینبغی عمله بشکل واقعی فی هذا المجال الأمنی الاستراتیجی؟

من البدیهی القول بأن الواقعیة السیاسیة تؤکد بأن السیاسات الدولیة مبنیة على القوة العسکریة، والاقتصادیة، وغیرها من أنماط القوة الغلیظة، ولیس على مبادئ السلام، والحضارة والحوار، والعدالة. إن من یملک الأسلحة یصعب جدا أن یتخلى عنها بسذاجة ورومانسیة. إن جنوب افریقیا قد فکّکت قنابلها النوویة حتى لا تصبح بین أیدی حکومة السود، وحتى لا تتحول هذه الدولة إلى قوة استراتیجیة فی القارة الافریقیة. فالرئیس الجنوبی "دوکلارک" قد أبرم صفقة مع الغرب قبل تنحیه عن الحکم وتسلیمه للزعیم المناضل التاریخی العالمی نیلسون ماندیلا. فاللعبة مکشوفة ولا یدرک أبعادها سوى من لا عقل له.

ومن هنا فإن انتظار اسرائیل أن تتخلى عن أسلحتها النوویة هو من باب الخرافة والأسطورة، حتى لو اعترف بها العرب من المحیط إلى الخلیج الفارسی نساء ورجالا، وأطفالا رضعا، وأمواتا. فاسرائیل لا تلعب لعبة الغمیضة، بل إنها تخطط لأن تکون القوة المحوریة فی منطقة الشرق الأوسط على مدى القرون ولیس السنوات.

وسوف تستخدم "استقلال فلسطین الشکلی" ذریعة لتوسیع نفوذها بکل أنماطه فی داخل الدول العربیة التی ستعترف بها وتقیم معها العلاقات الدبلوماسیة، والتجاریة، والثقافیة وهلم جرا. وسوف تفاجئ اسرائیل وأمریکا الدول العربیة برمتها، وذلک قبل الاعلان عن "الدویلة" الفلسطینیة، بشروط دولیة ملزمة لکافة العرب لتطبیع العلاقات دون لف ودوران مع الدولة الاسرائیلیة، وإنهاء مقاطعتها، وتوقیع بروتوکول یمنع منعا باتا الدخول فی حرب معها فی المستقبل المنظور وغیر المنظور.

لا شک بأن الوکالة الدولیة تکیل بمکیالین لأن العرب قد قبلوا العضویة فیها والإذعان لقوانینها التی تفرض فقط على دول العالم الثالث، وتستثنی الدول النوویة منها اسرائیل. إن الانسحاب نهائیا من هذه الوکالة المزدوجة المعاییر، والتخلی دفعة واحدة عن قوانینها التعسفیة هو الموقف الصحیح، ودون ذلک فإن الغرب النووی المسیطر علیها سوف یبقى یفعل فیها وبواسطتها ما یحلو له.

ن/25