الحلم النووی العربی هل هو قابل للتحقیق؟
الحلم النووی العربی هل هو قابل للتحقیق؟
زکریا شاهین
قبل أیام، "24/ 9/ 2010"، تم رفض مشروع قرار عربی یدین إسرائیل لرفضها إخضاع نشاطها النووی لرقابة دولیة، فقد رفض اجتماع الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، الذی حضرته فی فیینا 151 دولة، مشروع العرب، بعد أن صوتت 51 دولة ضد مشروع القرار المسمى "قدرات إسرائیل النوویة" فیما صوتت 51 دولة أخرى لصالحه وامتنعت 23 وبغیاب من تبقى من الدول التی قیل إن معظمها غاب عن هذا الاجتماع، حتى لا تکون فی موضع الإحراج الأمریکی باعتبارها لا تستطیع إغضاب الدولة الأعظم، وفی نفس الوقت، حتى لا تقع فی إحراج آخر یؤثر على العلاقات بینها وبین بعض العرب، علما أن الاجتماع المماثل الذی عقد العام الماضی وافق على مشروع القرار ذاته بأغلبیة ذات فارق بسیط.
الولایات المتحدة، وغیرها من الدول الحلیفة لإسرائیل أعلنت، وکأن ذلک کان باتفاق مسبق، أن قبول هذا المشروع سیهدد المفاوضات الجاریة للتسویة فی الشرق الأوسط وکذلک آفاق المؤتمر حول جعل الشرق الأوسط منطقة خالیة من السلاح النووی المزمع عقده عام 2012.
عام کامل مر بین قبول المشروع ثم رفضه، مما یعنی أن الرافضین للمشروع، عملوا طیلة هذا العام لتأکید الرفض، فیما استکان مقدمو المشروع إلى رؤیتهم الخاطئة التی اطمئنت إلى أن المشروع سیمرر.
إسرائیل سبق أن رفضت مشروع القرار المذکور، حین أعلن شاؤول حوریف مدیر اللجنة الإسرائیلیة للطاقة الذریة فی فیینا قبل أیام من الاجتماع، 21/ 9/ 2010، أن الوکالة الدولیة للطاقة الذریة تتجاوز صلاحیاتها فی مطالبتها إسرائیل بالانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النوویة، مضیفا أن القرار "یتعارض مع المصالح القومیة لإسرائیل".
اما أصحاب المشروع فاکتفوا بالصمت، حین غابت تعلیقات المسؤولین على ما حدث، باستثناء الأمین العام للجامعة العربیة السید عمرو موسى الذی تساءل: لماذا یجب أن تکون إسرائیل هذه الدولة الوحیدة؟ وذلک حین شدد على ضرورةِ أن تکون منطقة الشرق الأوسط خالیة من الأسلحة النوویة، فی معرض قوله: إنه "من المستحیل أن تکون هناک دولة واحدة تمتلک أسلحة نوویة وذلک بدعم من قوى کبرى"... مضیفا فی رد على السؤال: الجواب هو "لا، لا ینبغی أن تکون إسرائیل هی وحدها.. بل یجب التأکد من عدم وجود الطاقة النوویة فی الشرق الأوسط، وعلینا ضمان أن تکون منطقة الشرق الأوسط خالیة من جمیع الأسلحة النوویة وجمیع أسلحة الدمار الشامل".
والمفارقة، أنه وقبل أیام أطلق نائب رئیس وزراء إسرائیل أفیجیدو لیبرمان تصریحا یعبر عن قلق "إسرائیل" حذر فیه من خطورة سعی المملکة العربیة السعودیة ومصر إلى إقامة برامج نوویة؛ معتبرا أن إقامة هذه البرامج کارثه على "إسرائیل" یمکن أن تؤدى إلى ما أسماه بـ"یوم القیامة". وقد جاء هذا التصریح فی الوقت الذی أعلن الرئیس المصری محمد حسنى مبارک عن اعتزام بلاده إقامة محطات نوویة بتکلفة 11.5 ملیار جنیه لتزوید مصر بالطاقة، فهل جاء هذا التصریح لیشکل حالة جدیدة أم أن إسرائیل درجت على اتخاذ خطوات عملیة ومتواصلة لمنع العرب من امتلاک الطاقة النوویة؟!.
إسرائیل وامتلاک العرب للطاقة النوویة
لقد استخدمت إسرائیل الأسالیب الدبلوماسیة والسیاسیة وحتى العسکریة لمنع العرب من تحقیق الحلم النووی، أو حتى امتلاک الصواریخ، وقد جاء فی دراسة تتعلق بالموضوع أن إسرائیل لم توفر أی جهد فی هذا المجال، إذ "عندما بدأت مصر فی أوائل الستینات بمشروع لتطویر صواریخ أرض أرض بمساعدة عدد من العلماء الألمان، شنت إسرائیل حملة سیاسیة على المستشار الألمانی "أدیناور" واتهمته بمعاداة السامیة، ونفذت المخابرات الإسرائیلیة خطة لإرهاب العلماء الألمان فی مصر، وکذلک أسرهم بإرسال خطابات ناسفة أصابت عدداً منهم، کما اختفى فی ظروف غامضة عالم ألمانی هو الدکتور "کروج" أحد کبار العاملین فی المشروع.
وعندما وافق الرئیس الأمریکی "ریتشارد نیکسون" عام 1974 على بیع مفاعل نووی أمریکی لمصر لتولید الطاقة الکهربائیة طلبت إسرائیل مفاعلاً مماثلاً، وتم التوقیع على الصفقتین فی أغسطس عام 1976، إلا أن إسرائیل بدأت فی إثارة المشاکل إلى أن تم تجمید الصفقتین.
وفی نهایة العام 1976 وقع العراق اتفاقاً مع فرنسا لتزویده بمفاعلین نوویین، فبدأت إسرائیل مساعیها لنسف الاتفاق، واستمرت فرنسا فی تصنیع المفاعلین، وعندما لم تحقق الإجراءات السیاسیة الهدف الإسرائیلی قام الموساد بعملیة نسف لقلبی المفاعلین فی مخازن میناء طولون الفرنسی، ثم التدخل بعمل عنیف مباشر بتدمیر المفاعل النووی العراقی فی 7 یونیو 1981.
أما فی مجال الابتزاز والتهدید، فلطالما قامت إسرائیل بابتزاز الشرکات الأجنبیة وتهدیدها لوقف تعاملها مع العرب، کما حدث مع شرکة "جلف أند جنرال أوتو میکز" الأمریکیة التی تراجعت عن مساعدة إحدى الدول العربیة فی بناء مفاعل نووی تحت تأثیر الضغوط الأمریکیة الحکومیة والأوساط الصهیونیة.
والأمر أیضا لم یخل من تنفیذ العملیات الإرهابیة ضد کل من حاول التعاون مع العرب فی هذا المجال، إضافة إلى القیام بسلسلة اغتیالات لعلماء عرب مثل اغتیال عالمة الذرة المصریة "سمیرة موسى" فی الولایات المتحدة عام 1952، وعالم الذرة المصری "یحیى المشد" فی باریس فی یونیو 1980، والدکتور "سعید بدیر" عالم المیکروویف المصری بمنزله بالإسکندریة فی 14 یولیو عام 1989، وعالم الذرة المصری "سمیر نجیب" فی دیترویت عام 1969، وامتدادا حتى مشارکتها باغتیال العلماء العراقیین بعد الغزو الأمریکی للعراق.
هذا عدا عن استخدام وسائل الإعلام فی خدمة الأهداف الإسرائیلیة، وفی المثال، الحملة الضخمة التی أثیرت فی نهایة عام 2004 حول برنامج نووی مصری سری لإنتاج الأسلحة النوویة من خلال صحیفة "واشنطن بوست الأمریکیة"، وهی الضجة التی اعتبرت ستاراً من الدخان على قضیتی البرنامج النووی الإسرائیلی، حیث ترفض إسرائیل التوقیع على معاهدة حظر الإنتشار، وبالتالی عدم إخضاع منشآتها النوویة للرقابة، والقضیة الأخرى کانت فی حینها، محاولة إحراج مدیر عام الوکالة الدولیة للطاقة الذریة حتى لا یتم التجدید له بفترة ثالثة.
النووی الإسرائیلی وأمریکا
من المفجع أحیانا أن یصدق البعض أن الولایات المتحدة الأمریکیة وقفت فی یوم ما ضد البرنامج النووی الإسرائیلی، إلى درجة أن یذهب البعض بالقول إن اغتیال الرئیس الأمریکی جون کنیدی، کان بدافع هذا الموقف، والواقع أن الولایات المتحدة کانت تساعد إسرائیل فی برامجها النوویة، ففی کتاب صدر عن المرکز التربوی الإسرائیلی عام 1992، عن العلاقات الأمریکیة الإسرائیلیة من عهد ایزنهاور وحتى بوش، ورد أن الولایات المتحدة الأمریکیة قدمت ضمانات بمنح الحصانة للمنشآت الإسرائیلیة مع عدم السماح بإخضاع تلک المنشآت النوویة للتفتیش الدولی، بالإضافة إلى إعطاء تعهدات آخرها لـ"إسحاق رابین" أثناء إحدى زیاراته لواشنطن، باستخدام "الفیتو" فی حالة المطالبة بالتفتیش على المنشآت النوویة الإسرائیلیة، وجاء فیه أیضا أن الولایات المتحدة الأمریکیة مارست وتمارس الضغط على الصین حتى تمتنع عن بیع أی مفاعلات نوویة للأغراض السلمیة لمصر، هذا بالإضافة إلى وجود التزام أمریکی قاطع بعدم السماح بانتقال أیة تکنولوجیا نوویة أو مفاعلات نوویة إلى الدول العربیة حتى المعتدلة منها والتی تسایر السیاسة الأمریکیة.
وأیضا أشارت مذکرة أعدها رئیس المخابرات الأمریکیة إلى وزیر الخارجیة جون فوستر دالاس عام 1963م، أن بن جوریون أصدر فی عام 1956م أمراً بالبدء فی إقامة المفاعل النووی، وقد کانت المخابرات المرکزیة الأمریکیة "CIA" تعلم منذ اللحظة الأولى لإنشاء مفاعل دیمونا النووی، أن الهدف من إقامته فی منطقة قاحلة فی صحراء النقب هو تطویر سلاح نووی.
بدأت المخابرات الأمریکیة فی تقدیم المساعدات سراً من أجل تمکین إسرائیل من امتلاک السلاح النووی، وعندما قامت إسرائیل بابتزاز أمریکا وبالادعاء بأن مصر وسوریا سوف تحصلان على صواریخ روسیة، وافقت الولایات المتحدة الأمریکیة على تزوید إسرائیل بوسائل لتمکینها- کما قالت- من التصدی لهذه الصواریخ، وقد أصدرت الإدارة الأمریکیة تعلیماتها إلى المخابرات المرکزیة الأمریکیة بسریة تامة، بأن تقوم بمساعدة إسرائیل على امتلاک قدرة على الرد ضد أی هجوم محتمل بالأسلحة المتطورة، کما ورد فی وثیقة أعدها مسؤول کبیر فی المخابرات المرکزیة من معامل أبوللو.
فی عام 1960م قدمت وکالة المخابرات المرکزیة الأمریکیة إلى الرئیس الأمریکی تقریراً حول ما یجرى فی مفاعل دیمونا، وقد أشار التقریر إلى أن المفاعل یساعد الإسرائیلیین على إنتاج قنبلة نوویة واحدة کل عام على الأقل، وفی عهد الرئیس الأمریکی ایزنهاور، ساهم الأمریکیون بتمویل البرنامج الذی کان یتم تنفیذ معظمه فی معهد وایزمان للأبحاث، حیث قام السلاح الجوى الأمریکی وکذلک البحریة الأمریکیة بتمویل بحث فی الفیزیاء النوویة، تم إجراؤه فی المعهد، وکانت واشنطن تعلم تماما أن ما یسمى بالبرنامج النووی الإسرائیلی للأغراض السلمیة کان یدار من قبل وزارة الدفاع الإسرائیلیة وأنه قد تم إعداده لتطویر خیار نووی عسکری.
جون کنیدی والنووی الإسرائیلی
أما فیما یخص الرئیس جون کنیدی، فقد ورد فی وثیقة أمریکیة حدیثة، أنه عندما زعم بن جوریون أن مفاعل دیمونا لیس إلا مصنعاً للنسیج، ثم تراجع وادعى أنه معهد لأبحاث المناطق الصحراویة، طلب الرئیس جون کیندی من بن جوریون السماح للوکالة الدولیة للطاقة النوویة بإجراء تفتیش على مفاعل دیمونا؛ ولم تقبل إسرائیل تنفیذ التفتیش وطار بن جوریون إلى نیویورک فی مایو 1961، والتقى بکیندى وتمت تسویة الأمر؛ عندها همس کیندی فی أذن بن جوریون قائلا: "إننی لا أستطیع أن أعارض، وأعرف جیداً أننی انتخبت بأصوات الیهود الأمریکان وأنا مدین لکم بفوزی".
فی حینها، کان "شیرمان کانت"، رئیس هیئة تقدیرات الموقف القومی فی وکالة المخابرات المرکزیة الأمریکیة CIA، قد توصل فی شهر مارس 1963 إلى استنتاج یتلخص فی أن إسرائیل أصبحت تمتلک أسلحة نوویة، وحذر من الخطورة المترتبة على ذلک، وقال إن إسرائیل نجحت فی إقناع الولایات المتحدة الأمریکیة، بل وجرها لمساعدتها على امتلاک قدرة نوویة.
لقد أید الرئیس کیندی البرنامج النووی الإسرائیلی، وعبر عن هذا التأیید على مسامع شمعون بیریز مدیر عام وزارة الدفاع، عندما قال إن الولایات المتحدة الأمریکیة ترى فی البرنامج الوطنی الإسرائیلی تعویضاً لها عن خطة تطویر الصواریخ المصریة، التی تمت بمساعدة السوفییت؛ هذا بالإضافة إلى أن الولایات المتحدة الأمریکیة کان لها دور مهم فی التغطیة على البرنامج النووی الإسرائیلی، من خلال إخفاء الحقائق ومساعدتها سراً.
وفی الواقع، فقد عمل خمسة من الرؤساء الأمریکیین، "ایزنهاور، کیندی، جونسون، کارتر، ریجان" ثم جورج بوش وکلینتون على إخفاء المعلومات المتعلقة ببرنامج التسلح النووی الإسرائیلی، وها هو أوباما یسیر على خطى من سبقه حین جند کل قدرات الولایات المتحدة ضد إقرار المشروع العربی المذکور، فلماذا إذن هذا الاستغراب والتساؤل؟..
وأخیر.. یشیر دنیس هیل وزیر الدفاع البریطانی فی الحکومة العمالیة عام 1963/ 1970فی مذکراته إلى دور الولایات المتحدة الأمریکیة فی دعم وتطویر برنامج التسلح النووی الإسرائیلی، قائلاً: "إن المجال النووی لیس هو فقط المجال الذی حققت من خلاله أمریکا التزاماتها حیال إسرائیل لکی تبلغ أهدافها الطموحة، إن البیت الأبیض الأمریکی ظل یتصور أنه لا حاجة للشعب أن یعرف شیئاً عن البرنامج النووی الإسرائیلی". کانت وما زالت وستظل متمتعة "بالحصانة" ضد أیة رقابة أو تدخل دولی أو أمریکی، فالولایات المتحدة الأمریکیة وإدراتها المتعاقبة، ظلت على مر العقود، تنفی وجود مثل هذا السلاح لدى إسرائیل على الرغم من تأکدها بأنها تمتلکه، بل وتعمل جاهدة على تطویره".
إسرائیل، تمتلک الیوم أربعة مَفاعل نوویة هی: مفاعل ریشون لیزیون، ومفاعل ناحال سوریک، ومفاعل دیمونا ومفاعل النبی روبین، فیما لا یمتلک العرب، سوى حلم غیر قابل للتحقیق!!.
ن/25