من یصنع هزائمنا المتلاحقة؟
من یصنع هزائمنا المتلاحقة؟
علی التلیلی الخلیفی
لا یختلف اثنان فی أننا کعرب هزمنا هزائم مخجلة أمام عدونا المباشر دولة الکیان الإسرائیلی المغتصب لأرض وکرامة وحضارة العرب، فمنذ 1948 ونحن نتجرع مرارة الهزیمة العربیة المدویة فی حروبنا ضد هذا الکیان السرطانی الذی زرعته قوى الاستعمار والهیمنة فی قلب وطننا العربی،منذ تلک الهزیمة الأولى وما آلت إلیه من تداعیات، ونحن نسجل على سفر الهزائم العربیة نکبات ونکسات وانکسارات أخرى تکاد لا تتوقف...
خضنا حروبا کثیرة ضد عدونا، بجیوشنا النظامیة تارة وبواسطة حرکات المقاومة تارة أخرى تخللتها بعض نسائم النصر العربی فی بعض المواطن وفی بعض حلقات صراعنا مع الکیان الإسرائیلی، بعض لحظات النخوة العربیة التی صنعتها الشجاعة العربیة على ساحة المعرکة جعلت عناصر نخب الجیش الإسرائیلی المزهو بنفسه یتبولون ویسلحون فی بززهم العسکریة فی بعض المواقف الحرجة من المواجهة المباشرة وقهروا فی مناسبات عدیدة لعل آخر ما یشهد على ذلک أحراش وجبال الجنوب اللبنانی، ولکن بالنتیجة هزمنا.
وقد نختلف حول ذلک، ولا یقدر أحد أن ینکر أن تفوق إسرائیل فی حروبها ضد العرب قد صنعه الدعم الأمریکی والغربی عموما بما وضعه على ذمتها من جسور دعم جوی ومساعدات استعلاماتیة ولوجستیة، فإسرائیل حاملة طائرات أمریکیة ثابتة والقاعدة العسکریة الأمریکیة الأهم على الإطلاق...
حتى فی سلسلة مفاوضاتنا مع عدونا هزمنا هزائم شنیعة وسجل المفاوض العربی أخطاء کبیرة قد لا تتسع مثل هذه الفسحة لذکرها، بدءا بمفاوضات کامب دیفد إلى أوسلو.. لم نسجل یوما انتصارا دبلوماسیا یذکر سواء فی أروقة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، وحتى نجاحنا فی کسب بعض القرارات الأممیة التی تدین إسرائیل فإن أغلبها لم تکن ملزمة لإسرائیل أو إنها ضربت بها عرض الحائط، وفی مناسبات کثیرة هزمنا أمام الفیتو الأمریکی الذی کلما تعلق الأمر بمصالح إسرائیل إلا ولوّحت به الولایات المتحدة فی وجه العرب؛ وآخر هذه الهزائم الدبلوماسیة فشلنا أمام عدونا فی أروقة الوکالة الدولیة للطاقة الذریة..
لقد فشلنا فی تحقیق حلم الوحدة العربیة، وبات هذا الحلم ضربا من ضروب الخیال فی ظل الواقع العربی المترهل والمأزوم، والأمرّ من هذا وذاک أن نرى بعض دولنا القطریة تتمزق وتنشطر؛ فأینما وقع الطرف وجد شبح الفتنة وأخطار التفتیت والتقسیم تخیّم على سماء بعض أجزاء وطننا العربی وینیخ علیها لیل حالک یجعل مصیرها مفتوحا على احتمالات کثیرة ألطفها مفجع.. من العراق إلى لبنان إلى الیمن السعید إلى السودان، سلة الغذاء العربی، الذی یستعد لاستفتاء حول انفصال الجنوب فی أجواء ومناخات صعبة قد تعیده إلى الحرب والاقتتال بین الشمال والجنوب..
هزمنا فی کسب رهان أم المعارک، التعلیم والمعرفة والبحث العلمی، فعدونا المباشر إسرائیل تحتل المرتبة الأولى عالمیا فی حصة البحث العلمی من الناتج الإجمالی، وتخصص له 4.7 بالمئة من میزانیتها، فیما لا یخصص العرب إلا 0.02!!
وینضاف إلى ذلک ارتفاع نسب الأمیة وضعف نسب التمدرس، وما یحوم حول منظوماتنا التربویة والتعلیمیة من استفهامات عمیقة تبحث عن أجوبة مقنعة دون أن ننسى ترتیب جامعاتنا عالمیا مقارنة بالجامعات الإسرائیلیة وجامعات الغرب ومراکزه ومعاهده البحثیة.
یسجل العرب هزائم واضحة ومدویة أمام تحدیات مصیریة تحیط بهم من کل صوب، تتعلق بکسب معادلات صعبة واختبارات جدیة تطرحها العولمة الاقتصادیة کالتنافسیة والجودة واقتصاد المعرفة والاندماج فی الفضاء المعولم وقضایا أخرى متعلقة بالمرأة والشباب والحداثة والأمن والاستقرار والإصلاح السیاسی والدیمقراطیة..
وهذا الواقع العربی لا یجب أن یقودنا إلى التغافل عن بعض التجارب العربیة التی تشق طریقها بنجاح لافت باتجاه کسب عدة رهانات ومعادلات، على الرغم من محدودیة إمکاناتها الطبیعیة مستفیدة فی خوض غمار کفاحها من أجل التنمیة من مواردها البشریة وعطاءات التاریخ وسلامة خیاراتها وتوجهاتها، وهذه التجارب تستحق الاحترام والتقدیر لأنها تمثل استثناءات فی عالمنا العربی الذی تتهدده أخطار حقیقیة وجب الانتباه إلیها ومعالجتها.
الحقیقة المرة أن هزائم العرب کثیرة ومتنوعة، فیکفی أن نذکّر بعضنا بأننا هزمنا فی تنظیم مباراة کرة قدم بین قطرین عربیین وعلى أرض عربیة، مع إقراری بأهمیة الرهان حینها، وفوتنا على ملایین العرب فرصة التمتع بمهرجان کروی احتفالی عربی صمیم..
ننهزم أحیانا حتى أمام أنفسنا ویخیب الواحد منا حتى فی قبر تلک الهزائم والنکبات والنکسات فی أسفل قاع الذکریات العربیة الألیمة لینهض من جدید.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS