الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل وانکسار تشرین.. استنتاجات أساسیة

إسرائیل وانکسار تشرین.. استنتاجات أساسیة

 

ماجد عزام

 

سمحت إسرائیل مؤخرا بنشر بعض المحاضر والبروتوکولات الخاصة باجتماعات الحکومة أثناء حرب تشرین أول أکتوبر 1973، والتی تضمنت تفاصیل تنشر لأول مرة عن أداء القیادة السیاسیة والأمنیة وکیفیة تعاطیها مع مجریات الحرب آنذاک؛ التفاصیل جد مثیرة ومشوقة بالطبع غیر أن ما یفوقها أهمیة یتمثل بالاستنتاجات والاستخلاصات الناتجة عن قراءة مستفیضة وهادئة وعمیقة لها.

أول الاستنتاجات یتعلق بزیف ووهم الأسطورة التی خلقتها لإسرائیل لنفسها، إن فیما یتعلق بها کدولة أسطورة تفعل المعجزات وقادرة على قهر المستحیلات أو بقادتها السیاسیین والعسکریین الذین صوروا أیضا کاستثنائیین وعمالقة ومن طینة أخرى غیر طینة البشر العادیین، وأظهرتهم المحاضر على حقیقتهم خائفین مذعورین منهارین.

یقول الأستاذ هیکل إن الأسطورة المزعومة- الجنرال موشیه دایان وزیر الدفاع آنذاک- انهار إلى درجة البکاء إثر نجاح الجیش المصری فی تحطیم خط بارلیف وعبور قناة السویس؛ ولیس ذلک فقط بل اقترح أیضا التخلی عن جنوده وترکهم لمصیرهم فی صحراء سیناء مع التقدم اللافت للقوات العربیة على الجبهة المصریة فی الأیام الأولى للحرب.

الانکسار لم یقتصر على موشیه دایان بل إن الرجل الوحید فی الحکومة- أی رئیسة الوزراء غولدا مائیر- فکرت فی الانتحار هربا من المسؤولیة واعتقادا بقرب انهیار الهیکل الثالث- الدولة العبریة- تحت وطأة الهجوم العربی المنسق والمنظم والمفاجئ.

تبدت فی الوثائق أیضا العنصریة الإسرائیلیة فی أجلى صورها غطرسة واستکبارا تجاه العرب وشعور بالاستعلاء والتفوق تجاههم والاقتناع بفکرة أنهم غیر قادرین نفسیا على امتلاک الشجاعة والمبادرة لشن الحرب، ناهیک عن إدارتها التکتیکیة بشکل مهنی وعسکری محترف، وحتى فی ذروة انهیاره لم یتخل الجنرال دایان عن عنصریته مرجعا نجاح العبور إلى التفکیر والتخطیط السوفییتی متجاهلا العمل العربی الإبداعی على الجبهتین على حد سواء.

أظهرت الوثائق کذلک أن الاستعداد لارتکاب جرائم حرب رافق الدولة العبریة منذ تأسیسها، وهکذا مثلا عرض موشیه دایان خطة لضرب منشآت مدنیة فی مصر وسوریا رغم أن الحرب کانت آنذاک بین الجیوش فی جبهات القتال -سیناء والجولان- حتى لو أدى ذلک إلى إصابة مواطنین عزل تحمیهم زمن الحرب الشرائع والمواثیق الدولیة وهی المعطیات التی لا تقیم لها إسرائیل وزنا أو اعتبارا لا وقت السلم ولا زمن الحرب.

أکدت المحاضر التی تم الکشف عنها مدى تعلق إسرائیل بالولایات المتحدة ومع کل الاحترام والاعتبار لبعض التفاصیل المهمة إلا أن الدولة العبریة لا تستطیع العیش بشکل فعلی خارج حاضنة الإنعاش الأمریکیة والغربیة بشکل عام. فقد ناقشت حکومة غولدا مائیر أفکارا تراوحت بین خداع إدارة نیکسون- کیسنجر أو ابتزازها عاطفیا وفکریا عبر استحضار دور الاتحاد السوفییتی فی الحرب تخطیطا وتنفیذا، وحتى التهدید باستخدام السلاح النووی وهو تهدید هدف أساسا إلى الضغط على أمریکا للتدخل الفعلی فی الحرب، وهو ما تم عبر الجسر الجوی الذی ساعد الدولة العبریة جزئیا فقط فی الخروج من دوامة الإحباط والانهیار والانکسار واستعادة زمام المبادرة فی الأیام الأخیرة للحرب..

أظهرت المحاضر فی السیاق أیضا الفشل الاستخباراتى الإسرائیلی، ناهیک عن التخبط العسکری فی مواجهة الجیوش العربیة المهاجمة، وهی أکدت أن أسطورة الجیش الذی لا یقهر وهمیة وزائفة صنعتها الدعایة الإسرائیلیة إضافة إلى الأداء العربی السیئ والخائب- على المستوى الرسمی طبعا- وهو ما عبر عنه ببلاغة موشیه دایان ذات مرة بقوله: "نحن محظوظون مع هکذا أعداء"، قاصدا طبعا الحکومات والقادة العرب.

غیر أن الخلاصة الأهم من المحاضر والبروتوکولات التی تم نشرها تتمثل بأن إسرائیل قابلة للانکسار والاندحار، وأن انهیارها ممکن کنتیجة مباشرة لعمل عربی وحدوی متماسک ومنسجم وقادر على إدارة الصراع بشکل جید، وهو ما أکدته وقائع الحرب المجیدة قبل أن یتم حرفها بفعل فاعل عن تحقیق أهدافها الإستراتیجیة والتعاطی معها تکتیکیا فقط کخطوة أو سبیل للوصول إلى عملیة السلام- حسب تعبیر هنری کیسنجر- وهی العملیة التی لم تؤد ولن تؤدی إلى أی نتیجة ذات بال، بل إنها سمحت لإسرائیل أن تحقق سیاسیا إثر انکسار تشرین العسکری ما عجزت عن تحقیقه بعد انتصار حزیران یونیو 1967.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 143057







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)