بین صفقة طائرات الـ إف 35 الأمریکیة لإسرائیل وصفقة صواریخ الـ إ س 300 الروسیة
بین صفقة طائرات الـ إف 35 الأمریکیة لإسرائیل وصفقة صواریخ الـ إ س 300 الروسیة
لقد شکلت صفقة الصواریخ التی تعاقدت روسیا على بیعها لإیران فی العام 2007 صدمة قویة لکل من تل أبیب وواشنطن، لأنها کانت ستسلبهما زمام المبادرة التی طالما تمتعتا بها طوال العقود الماضیة التی خاضت خلالها إسرائیل حروباً دامیة مع الدول العربیة، وکانت دائمة السیطرة على الأجواء ولم تجد صعوبة تذکر فی سحق أسلحة الجو العربیة الروسیة الصنع.
وعلى عکس ما یظن البعض فإن روسیا ومن قبلها الاتحاد السوفییتی کانت دائماً تمتلک تکنولوجیا متقدمة فی صناعاتها الجویة، بما یکفی لجعلها نداً لنظیراتها من الطائرات الأمریکیة، التی أصبحت فی مرحلة لاحقة من تاریخ الدولة الیهودیة تشکل الذراع الضاربة لسلاح الجو الإسرائیلی، ولکن الطائرات الروسیة التی تم تزوید الجیوش العربیة بها لم تکن من الأجیال المتقدمة، أو أنها لم تکن بنفس مستوى الکفاءة التی تتمتع بها الطائرات المخصصة للجیش الروسی.
لقد کانت إسرائیل ولا زالت تحصل على أحدث الطرازات من الأسلحة الغربیة عموماً والأمریکیة خصوصاً، ولم تقم الولایات المتحدة یوماً بتعدیل النسخ المخصصة للتصدیر لإسرائیل بأی شکلٍ یؤدی إلى الانتقاص من میزاتها القتالیة، اللهم إلا إذا ما رأت إسرائیل أنها بحاجةٍ إلى إطالة مدى هذه الطائرات أو أن بعض المیزات لا تناسب الظروف أو المهمات القتالیة التی ستقوم هذه الطائرات بتنفیذها، مما یستدعی تعدیلها بما یؤدی إلى ملائمتها للوظائف المنوطة بها.
لقد تاجرت روسیا بأصدقائها وکانت دائمة المساومة مع الغرب من أجل تحسین ظروف تفاوضها، بغیة اقتناص بعض المنافع الآنیة من العالم الغربی الذی لم یمانع من تقدیم بعض التنازلات التکتیکیة لها مقابل الحصول على میزات إستراتیجیة لصالح إسرائیل التی کانت وما زالت تلعب دوراً محوریاً فی تسخین أو ترطیب الأجواء بین ما کان یعرف بالشرق وبین الغرب.
لسنا بصدد تقییم الأداء الروسی أو الأمریکی فی ما یتعلق بالسیاسة الخارجیة لکل منهما،لأن کلتا الدولتین تتصرفان وفق معطیاتٍ وعوامل معینة، بعضها داخلیة وبعضها خارجیة، وقد أدى تفاعلهما معاً إلى جعل قیاداتهما السیاسیة تتبنى بعض السیاسات التی لا تلتقی مع مصالح الشعوب العربیة والإسلامیة.
وقد کان العامل الأهم والأکثر حضوراً على مائدة أصحاب صنع القرار هو انعدام المقاومة أو حتى التحفظ لدى الأنظمة العربیة، فی کل مناسبة تقوم فیها الولایات المتحدة باتخاذ قرارات منحازة لإسرائیل ومجحفة بحقهم.
هذه المطواعیة غیر المسبوقة أوحت لأصحاب صنع القرار فی الغرب بفکرة استخدام العرب أنفسهم کسلاح ضد بعضهم البعض، وطورت هذا المفهوم لیصل إلى درجة تجنیدهم وتسخیر قدراتهم المالیة من أجل الدفاع عن إسرائیل، عن طریق إدخالهم فی صراعات مع القوى التی تتبنى نهجاً مقاوماً للسیاسات الإسرائیلیة حتى لو کانت عربیة أو إسلامیة.
من الواضح أن الولایات المتحدة لم تعد تمتلک من الإغراءات والحوافز المادیة ما تقدمه لروسیا من أجل ثنیها عن بیع صواریخ الإس 300، التی تتمتع بقدرة فائقة على اعتراض الأهداف المحلقة على بعد مئة میل أو أکثر، ولا تفلت منها حتى طائرات الشبح نظراً لقوة أجهزة الرادار المعقدة التی توجهها، وقدرتها على مقاومة تشویش موجات الرادیو التی تستعملها الأجیال الحدیثة من الطائرات الغربیة لتعمیة رادارات الدفاعات الجویة.
هذه الصفقة التی کانت ستوفر لروسیا ما یقارب التسعمئة ملیون دولار لم تکن إلا مقدمة لصفقات أخرى تبلغ قیمتها 25 ملیار دولار، وهی المیزانیة التی رصدتها إیران للتسلح خلال العقد القادم، وکانت روسیا ستکون صاحبة حصة الأسد فیها لو قامت بتنفیذ هذه الصفقة.
ما الذی جعل روسیا تتراجع عن تنفیذها وما هی الضغوط التی تعرضت لها؟ هل هی حقاً ضغوط إسرائیلیة وأمریکیة، أم أنها إغراءات ببدائل أخرى ستدر علیها أرباحاً أوفر إن هی قامت بإلغائها؟
نعتقد أن إسرائیل وأمریکا قامت بممارسة الاثنین معاً، ونعنی بذلک الضغوط والإغراءات، لأن الضغوط وحدها لم تکن من القوة بما یکفی لثنی روسیا عن تنفیذها لتلک الصفقة.
أما الضغوط فکانت تتمثل فی الدرع الصاروخیة واللعب على ورقة جورجیا وتزویدها بأسلحة متطورة لإثارة المشاکل معها ومع جمهوریة أوسیتا الجنوبیة وأبخازی الحلیفتین لروسیا، وربما فتح جبهة تقض مضاجع الروس. لکن روسیا هی الأخرى تستطیع أن تعزف على أوتار مزعجة جداً فی الشرق الأوسط، وأقلها القیام بتسریب بعض الأسلحة الحساسة للمقاومة اللبنانیة عبر البوابتین السوریة واللبنانیة، ناهیک عن قدرتها على شل أوروبا الحلیفة لأمریکا لو قامت بمجرد التلویج بتقنین تدفق الغاز السیبیری إلى أوروبا. أما الإغراءات فتمثلت بتعویض روسیا عن هذه الصفقة مع إیران بصفقات کثیرة مع دول عربیة تستطیع الولایات المتحدة أن تمارس نفوذها علیها، من خلال دفعها إلى المسارعة بتقدیم طلبیاتها لشراء منظومات متعددة من روسیا، وهذا ما حصل بالضبط عندما تدافعت السعودیة وبعض الدول الخلیجیة والجزائر للتعبیر عن رغبتها باقتناء هذه المنظومة الدفاعیة، التی لا تحتاجها الجزائر ولا حتى الدول الخلیجیة لأنها لا تمتلک أی إستراتیجیة عسکریة لمواجهة إسرائیل التی استعاضت عن عدائها لها باستحداث نظریة الخطر الإیرانی الذی تم الترویج لها من خلال تصویر إیران على أنها العدو المشترک للدول العربیة المعتدلة وإسرائیل.
ثم جاءت صفقة العصر بین الولایات المتحدة والمملکة العربیة السعودیة، لتقوم الأخیرة بتزویدها بطائرات إف 15 المنتمیة إلى الجیل الرابع فی سلاح الجو الأمریکی، إضافة إلى بعض المعدات العسکریة الأخرى بتکلفةٍ بلغت ستین ملیار دولار، رغم قیام الولایات المتحدة بتخفیض قدراتها القتالیة نزولاً عند رغبة إسرائیل التی اشترطت ذلک لقاء عدم اللجوء إلى اللوبی الصهیونی من أجل إجهاضها.
کل هذه الأسلحة ستتحول إلى دمى لتسلیة الطیارین الإسرائیلیین إذا ما وقعت مواجهة یوماً ما بینها وبین نظیراتها من طائرات إف 15 التی بحوزة إسرائیل، کونها متخمة بالتکنولوجیا الحدیثة، فما بالک بطائرات إف 35 التی تعاقدت إسرائیل مع واشنطن على التزود بها وهی طائرات من الجیل الخامس وتتمتع بمیزات فائقة مثل الإقلاع العمودی والقدرة على اختراق الرادارات ومداها البعید، علاوة على قدرتها على تخزین الأسلحة فی عنابر داخل جسم الطائرة لتخفیف مقاومة الریح ولتسهیل تسللها عبر شبکات الرادار، إضافة إلى أن نفاثاتها لا تترک شعلة قابلة أو لهباً خلفها من أجل التخفی عن المشاهدة العینیة من قبل الطیارین الأعداء.
کل ذلک بصفقة لم تبلغ الملیاری دولار وستقتطع من المعونات العسکریة السنویة التی تقدمها أمریکا لإسرائیل، ناهیک عن القول بأن أرباح الصفقة السعودیة قادرة على تمویل تکالیف الصفقات الإسرائیلیة من الأسلحة الأکثر تعقیداً لعقود لاحقة، ولتبقى الأمة العربیة المثقلة بالملیارات عبئاً ثقیلاً یشدها إلى الأسفل، بینما تستمر إسرائیل بالتسلق للارتفاعات الشاهقة، کما هی الحال مع طائراتها التی أحالت مدارس ومساجد وبیوت غزة هاشم إلى حطام.
لا نبالغ إذا قلنا ان إسرائیل التی یضخ لها القلب الأمریکی دماء الحیاة، إنما یضخه لها من ورید ینبع من جسم الأمة العربیة.
زیاد علان العینبوسی
ن/25