الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

تراجعت القضیة الفلسطینیة.. کیف خسرنا المعرکة الاعلامیة؟

تراجعت القضیة الفلسطینیة.. کیف خسرنا المعرکة الاعلامیة؟

آسیا العتروس

 

ننظر الى المشهد الدولی وما یتخلله من تخاذل وتردد وتجاهل معلن ازاء القضیة الفلسطینیة، وننظر الى الوهن فی الجسد العربی العلیل، فیعترینا احساس رهیب بتراجع القضیة وضیاعها، ولکن نتطلع الى السواد الاعظم من الشعب الفلسطینی فی معاناته الیومیة مع الاحتلال وتمسکه بارضه واصراره على البقاء، رغم کل محاولات الترهیب والترحیل الجماعی، فیعترینا احساس مضاد بان هذه القضیة لا یمکن ان تکون الى زوال طالما بقی هذا الشعب، فلم یسبق للتاریخ ان سجل بقاء الاحتلال الى ما لانهایة او رضاء الشعوب المحتلة بالهوان ایضا الى ما لا نهایة.

على ان هذه القناعة تدفعنا الى طرح مسألتین اساسیتین حتى الان قد یکون لهما دور فی تراجع موقع القضیة فی عدد من المحافل الدولیة والاقلیمیة .

اما المسألة الاولى فتتعلق بالمعرکة القضائیة التی مع الاسف وقع اهمالها وتجاهلها فی اکثر من مناسبة، وعندما اشیر الى هذا الجانب فلست اود بأی حال من الاحوال العودة الى عشرات القرارات الاممیة الصادرة على مدى اکثر من ستة عقود حتى الان فی الشأن الفلسطینی، سواء تعلق الامر بما یصدر من قرارات عن الجمعیة العامة، وهی القرارات غیر الملزمة او تلک الصادرة عن مجلس الامن الدولی، التی ظلت فی مجملها مجرد حبر على ورق .

الغی القرار الذی یوازی الصهیونیة بالعنصریة واستمرت سیاسة الاحتلال العنصریة.

وحتى لا ندخل فی متاهات القانون الدولی ولا نعود بالتالی الى امثلة قد تبدو لنا بعیدة، سنتوقف عند حدود احدث مثالین فی هذا الشأن، واقصد بذلک اولا القرار الاممی 3379 الصادر فی تشرین الثانی/نوفمبر 1975 عن الجمعیة العامة للامم المتحدة بتأیید اغلبیة 75 دولة ومعارضة 35 وامتناع 32 عن التصویت، والذی نص صراحة على ان الصهیونیة شکل من اشکال العنصریة والتمییز تماما، کما کان الحال مع نظام الابارتهاید فی جنوب افریقیا، خلال حکم الاقلیة من البیض، واشار القرار صراحة 'الى ان الجمعیة العامة للامم المتحدة تقرر ان الصهیونیة شکل من اشکال العنصریة والتمییز العنصری'، واشار القرار کذلک بوضوح الى اعلان الامم المتحدة القضاء على جمیع اشکال التمییز العنصری، وادان الصهیونیة باعتبارها تهدیدا للسلم والامن العالمیین، ولا نکشف سرا عندما نقول ان هذا القرار احرج الاسرائیلیین کثیرا، ولکنه اغضب حلفاءها الغربیین، ولاسیما الکونغرس الامریکی واعضاؤه ممن لم یدخروا جهدا وعملوا على مدى سنوات وفق حملة دعائیة منظمة ومستمرة على اسقاطه والغائه، بعد ان اوعزوا للاسرائیلیین بربط قبول المشارکة فی مؤتمر مدرید بالغاء هذا القرار، وهو ما حدث فعلا فی کانون الاول/دیسمبر 1991 بموجب القرار 8646 .

وباسم النظام العالمی الجدید جاء قرار الالغاء فی سطر واحد، وقد صاغه نائب وزیر الخارجیة الامریکی لورانس ایغلبرغ انذاک وقد اشار بجرة قلم الى ما یلی 'تقرر الجمعیة العامة نبذ الحکم الوارد فی قرارها 3379' وفشلت بذلک جهود اللجنة العربیة التی تشکلت للدفاع عن القرار الذی ساوى بین الصهیونیة والعنصریة، وفی المقابل لم تتخل اسرائیل عن ممارساتها وسیاساتها وقوانینها الغارقة فی العنصریة، والامثلة کثیرة على ذلک سواء تعلق الامر بالتمییز الحاصل بشأن الیهود الاشکناز الغربیین او الیهود السفردیم الشرقیین واصرار العقلیة الاسرائیلیة المتطرفة على الفصل بینهما فی المدارس، سواء تعلق الامر باکثر من ملیون ونصف الملیون مواطن فلسطینی داخل الخط الاخضر ممن یعتبرون مواطنین من درجة متدنیة ویتعرضون لکل انواع التمییز والضغوطات التی تتنزل فی اطار القتل البطیء والدفع باتجاه التهجیر والترحیل، وقد جاء الشرط الاسرائیلی الذی ربط العودة للمفاوضات بقبول مبدأ یهودیة اسرائیل لیسقط ما بقی من قناعات تتخفى خلفه السلطات الاسرائیلیة المتعاقبة لکشف توجهاتها الحقیقیة بشأن مفهوم السلام الذی تریده اسرائیل، وهو سلام على مقاس الاحتلال یضمن له الارض والسلام معا، ویعلن بالتالی الغاء حق العودة والاعتراف بحقوق المهجرین اللذین اقرهما قرار الامم المتحدة رقم 194.

والحقیقة انه بالغاء هذا القرار یتضح الى أی مدى ان الامم المتحدة والشرعیة الدولیة قابلة للابتزاز والتطویع وفقا لمصالح اسرائیل الاستراتیجیة ولیس العکس.

محکمة لاهای وجدار العار

اما المعرکة الثانیة القانونیة التی شکلت تراجعا میدانیا خطیرا للقضیة الفلسطینیة واکدت تآکل موقعها فی المحافل الدولیة والاقلیمیة، فهی تلک المتعلقة بقرار محکمة لاهای القاضی بعدم شرعیة جدار الفصل العنصری، وقد مرت قبل شهرین الذکرى السادسة لقرار محکمة العدل الدولیة بلاهای، وهو القرار الذی جاء بعد ان اجهضت واشنطن صدور قرار مماثل عن مجلس الامن الدولی ضد بناء الجدار من خلال الفیتو فی 14 تشرین الاول/اکتوبر 2003 ما دفع الجمعیة العامة الى اتخاذ قرار بطلب الرأی الاستشاری للمحکمة، وتوصلت الى انه یتعارض مع القانون الدولی وطالبت بالتالی 'اسرائیل بوقف اعمال التشیید فورا والغاء جمیع القوانین واللوائح التشریعیة والتعویض للمتضررین'، بعد ان اضر الجدار بحیاة الفلسطینیین من خلال مصادرة الاراضی الزراعیة والمحلات والبیوت، وحتى الان فان التداعیات والمخاطر التی فرضها الجدار على الاهالی تسببت فی العدید من المآسی الانسانیة وفرقت الکثیر من العائلات وحرمت الالاف من الوصول الى مواقع رزقهم، کما منعت طلاب العلم من الوصول الى جامعاتهم ومدارسهم وقضت على الکثیر من الابار والاشجار وحرمت المزارعین من خیرات اراضیهم ودفعت بهم للبحث عن الهجرة او العمل فی المستوطنات. ومن هنا فان الاشارة الى صدور القرار الخاص بمحکمة لاهای بعد الغاء القانون الخاص بعنصریة الدولة الاسرائیلیة یمکن اعتباره مکسبا قانونیا لا یستهان به وقد یتحقق باجماع دولی وفیه تجسد دعم مزدوج مهم وهو دعم معنوی وسیاسی للمفاوض الفلسطینی ازاء قوى الاحتلال، ولکن المؤسف مرة اخرى ان هذا القرار بدوره یوشک ان یضیع کما ضاعت قرارات اخرى سابقة لاسباب کثیرة مرتبطة بضعف وترهل الموقف العربی والفلسطینی فی المحافل الاقلیمیة والدولیة التی زادها الانقسام الحاصل بین الفلسطینیین مهانة على مهانة .

کیف خسرنا المعرکة الاعلامیة

اما المحورالثانی من هذا التقییم فهو یتعلق بمعرکة لا تقل اهمیة وهی المعرکة الاعلامیة الرکیزة الاساسیة فی الدفاع عن القضایا والحقوق الانسانیة فی کل معرکة سیاسیة او دبلوماسیة او عسکریة، فی ظل التطور التکنولوجی السائد وفی ظل الثورة الحاصلة فی سرعة نقل المعلومة، بحیث لم یعد الکشف، عما یرتکب من جرائم ضد الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، امرا یمکن ان یحدث من دون ان یقف على خطورته العالم، وفی اعتقادی انه اذا خسرنا هذه المعرکة فقد خسرنا نصف حقوقنا، والمؤسف فعلا ان الاعلام العربی ظل حتى الان یخاطب نفسه معتقدا وهو على خطأ انه بذلک قادر على بلوغ اسماع الاخرین، طبعا نحن لسنا فی اطار محاکمة النوایا ولا حتى فی محاولة جلد الذات، ولکن الواقع ان اعلامنا العربی مع بعض الاستثناءات ظل غائبا او مغیبا عن القضایا المصیریة، وهو بدون مبالغة لم ینجح حتى الان فی استمالة الرأی العام الاجنبی او حتى فی کسبه عندما یتعلق الامر بقضایاه الاکثر عدالة وشرعیة .

قد لا یختلف اثنان بانه لا احد یحتاج الیوم لمن یقنعه بعدالة وشرعیة القضیة الفلسطینیة وبحق اصحابها الذی اقرته مختلف الشرائع والقوانین فی تقریرالمصیر، ومع ذلک فان الخطاب الاعلامی لا یزال غیر قادر على تجاوز دائرة محیطه الضیق لیسقط فی احیان کثیرة فی متاهات خطیرة ولعبة دنیئة تذهب الى حد نشر الغسیل على الهواء، وکان فی تبادل الاتهامات والشتائم ما سیساعد على حل القضایا والتمهید للحوار المثمر بین اصحاب القضیة الواحدة، وکلنا یعلم ان هناک الیوم نحو خمسمئة فضائیة عربیة تتنافس فی اصدار الفتاوى ونشر الجهل والتخلف بین الناس وتسعى للضحک على العقول وتغییب الرأی والحکمة، وعلى سبیل الذکر لا الحصر استرجع عند هذا الحد جریمة اغتیال الطفل الشهید محمد الدرة، وهی وان لم تکن الاولى من نوعها فی سجل جرائم الاحتلال فانها الاولى التی تلقاها الاعلام الغربی بتلک السرعة لتتحول وفی غضون لحظات الى لعنة تلاحق القوات الاسرائیلیة، ما احرج القیادات الاسرائیلیة انذاک ودفع الحکومة الاسرائیلیة الى تعبئة قنواتها والتحرک لوقف التداعیات الخطیرة لتلک الجریمة على صورتها المتدهورة فی العالم، ومرة اخرى تنجح الدعایة الاسرائیلیة فی تحقیق الاختراق وتتوصل السلطات الاسرائیلیة بطریقة غریبة الى تغییب تلک الصورة من على الشاشات العربیة وحتى الغربیة بدعوى انها تساعد فی اذکاء الاحقاد والکراهیة ومعاداة السامیة، واکثر من ذلک فقد لجأت اسرائیل الى نفس السلاح الاعلامی، وعمدت من خلال مواقع غربیة واساسا فی المانیا الى محاولة قلب الحقائق والترویج للجریمة بحساب الملیمتر على انها من اقتراف الفلسطینیین انفسهم ولیست جریمة اسرائیلیة، على ان المهم فی کل ذلک ان الجریمة التی اهتز لها الضمیر العالمی تراجعت واختفت ولم تعد مصدر احراج للذاکرة البشریة، ولا حتى للجیش الاسرائیلی، وهذا المثال لیس سوى واحد من امثلة متعددة عن الجرائم الاسرائیلیة الحدیثة، بما یعنی ان الخطاب الاعلامی وسلاح الاعلام العربی الیوم یحتاج الى اکثر من عملیة صقل وخلاص من عدد من الرواسب والعقد التی تکبله وتجعله ابعد ما یکون عن موقع السلطة الرابعة لیترنح فی اسفل الترتیبات بین مختلف تصنیفات الاعلام العالمی..

اعود من هنا الى نقطة البدایة واتساءل ان کان بامکاننا ونحن جالسون هنا بعیدا عن کل ما یتعرض له الفلسطینیون ان نتحدث عن الوقائع والبدائل المطروحةن واسمحوا لی ان اشارککم فی تجربة شخصیة خلال رحلة قصیرة نسبیا الى فلسطین، وتحدیدا الى الضفة الغربیة، ولکنها رحلة حافلة بالذکریات التی ترفض ان تلفضها الذاکرة، واشیر هنا الى ان الحدیث عن تلک التجربة لا یتنزل فی اطار السقوط فی ذلک الجدل العقیم حول ما تبثه بعض الفضائیات من فتاوى تحرم وتجرم زیارة فلسطین، وما یعتبره البعض شکلا من اشکال التطبیع واختراق العقول ولا حتى الترویج لموقف السلطة الفلسطینیة فی هذا الشأن بان زیارة السجین لیست تطبیعا مع السجانن فالامر اکبر وابعد واعمق من کل ذلک.

وما یمکن لزائر فلسطین ان یلمسه مباشرة لدى اهلها من مختلف الفئات والانتماءات الاجتماعیة، لا یشبه بأی حال من الاحوال ما تنقله الاخبار والتقاریر وتصریحات السیاسیین والمتنافسین فی شیء، ولعل الاهم ان هناک على تلک الارض قوة بشریة صامدة متمسکة بالارض ترفض التخلی عما بقی هناک من جذور تصنع لنفسها کل یوم من سبب من اجل الحیاة تنحت من الصخر وجودها وتحول ضعفها الى قوة ومصدر للبقاء والاستمرار... لم احرص خلال تلک الزیارة على مقابلة المسؤولین الرسمیین بقدر ما حرصت على التواصل مع عموم الناس على الحواجز والمعابر والمخیمات والملاجئ، هناک ستحدثک عیون الطفولة فی المخیمات عن معنى الحرمان، ملابس لا تخفی من الجسد شیئا، وهم فی الطریق الى المدارس، وهناک ستحدثک الثکالى وامهات الشهداء وخنساوات فلسطین وهن کثیرات عن رحلاتهن مع مآسی الاحتلال الذی خطف احلامهن وصادر امالهن وقتل فلذات اکبادهن واسر من بقی منهم فی السجون والمعتقلات، وهناک ایضا ستعیش احتفالاتهم التی لا تتوقف مع کل زواج او ولادة طفل فلسطینی جدید، وستعجب لقدرة هذا الشعب على التحمل والصبر والسخریة من الاقدار والتعامل مع واقع لم یترک لهم من اختیار فی الحیاة، فتراهم یشیعون شهداءهم ویعودون للحیاة باصرار مثیر على البقاء والتکاثر حتى بات العدو یخصص لذلک الخبراء والاخصائیین لکشف رموز هذا السر الذی استعصى علیه... مر عید الاضحى وکأن لم یکن فلا شیء کان یشغل الناس غیر اخبار صفقة الاسرى فی تلک الفترة، وحلم عودة الابناء الغائبین والامل المتجدد فی النفوس بقرب التئام الشمل.. لهذه الاسباب ولغیرها ایضا وهی اسباب من شأنها ان تؤکد ان المقاومة الشعبیة لم تتوقف وانها مستمرة هناک فی نعلین وبلعین، حیث یلتقی الناشطون من مختلف انحاء العالم کل اسبوع للتظاهر ضد الجدار، فی ملحمة شعبیة مستمرة لا یقرأ حروفها الا من حمل فی داخله حب الارض مجسدة فی صورة ام وقفت للتصدى للدبابة بجسدها غیر ابهة لتهدیدات الجندین فلم ترهب الموت وهی تواری شجرة الزیتون وتمنع الجندی من اقتلاعها، واخرى تطلق الزغارید وهی تعد الشهید الرابع من ابنائها للوداع الاخیر، وکأنها تستعد لزفافه وبینها صورة ذلک الشیخ وهو یمسک ید حفیده ویشیر الى بیته الذی لا یفصله عنه سوى بضعة امتار ولکنه مضطر لقطع امیال من الطرق الالتفافیة بسبب الجدار، وهی ایضا صورة بعض من شبان اسرائیلیین من الیسار تجمعوا فی بلعین الى جانب المتظاهرین الفلسطینیین مطالبین بازالة الجدار، وکذلک صورة زوجین امریکیین جاءا خصیصا لمشارکة الاهالی مظاهرتهم الاسبوعیة واعلان رفضهم سیاسة المعاییر المزدوجة التی تعتمدها بلادهم مع الاحتلال، وهی ایضا صورة ناشطة امریکیة قد تجاوزت الستین لم تمنعها ساقها المصابة من الوصول الى موقع الجدار. اما القدس فتلک حکایة اخرى مع جموع المرابطین الذین سخروا انفسهم داخل الاقصى لحمایته من المتطرفین، بین هؤلاء جمیعا تطفو صور وتغیب اخرى لتذکرنا بتلک المقولة الشهیرة، 'ما ضاع حق وراءه مطالب' وان التاریخ قد سجل ان کل احتلال الى زوال مهما طال.. فهل نکون اقل من هؤلاء؟

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 143064







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)