الخیارات الستَّة البدیلة!
الخیارات الستَّة البدیلة!
جواد البشیتی
منح الفلسطینیون والعرب "عبر لجنة مبادرة السلام العربیة" إدارة الرئیس باراک أوباما مزیداً من الوقت لعلَّ جهودها ومساعیها تنجح فی حَمْل حکومة بنیامین نتنیاهو على تغییر مواقفها الاستیطانیة بما یسمح للفلسطینیین بالعودة إلى المفاوضات المباشرة، التی، وعلى ما أوضح وأکَّد رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس، غیر مرَّة، لن یعودوا إلیها إذا لم تُوْقِف إسرائیل نشاطها الاستیطانی فی الضفة الغربیة، وفی القدس الشرقیة على وجه الخصوص.
ولقد حدَّدت السلطة الفلسطینیة ستَّة خیارات ستأخذ بها تباعاً إذا ما تأکَّد لدیها "ولدى لجنة مبادرة السلام العربیة" أنَّ إدارة الرئیس أوباما أخذت من الوقت ما یفیض عن الحاجة من غیر أنْ تتمکن من حَمْل حکومة نتنیاهو على وقف الاستیطان.
والأخذ بهذه الخیارات الستَّة، إذا ما سمحت الولایات المتحدة بهذا الفشل "المحفوف بالمخاطر" لخیار المفاوضات، إنَّما یعنی أنَّ الفلسطینیین یمکن أن یحصلوا من طریقها على ما عجزوا عن الحصول علیه من طریق المفاوضات، وإنْ توقَّع بعضهم أنْ یؤدِّی التلویح بها فحسب إلى إنجاح الجهود والمساعی المبذولة لاستئناف المفاوضات المباشرة.
الخیار الأوَّل من الخیارات الستَّة، والتی لیس من بینها خیار المقاومة بالسلاح، هو دعوة الولایات المتحدة التی فشلت فی حَمْل حکومة نتنیاهو على وقف الاستیطان إلى الاعتراف بالدولة الفلسطینیة فی حدود الرابع من حزیران 1967.
وهذا الاعتراف إنَّما یعنی إذا ما تحقَّق أنَّ الولایات المتحدة تعترف بأنَّ للفلسطینیین حقَّاً فی أن یشمل إقلیم دولتهم کل الأراضی الفلسطینیة التی احتلتها إسرائیل فی حرب حزیران 1967، وفی أن تصبح هذه الأراضی خالیة تماماً من المستوطنات والمستوطنین، وفی أن یتَّخذوا القدس الشرقیة عاصمة لدولتهم.
وأحسب أنَّ دعاة هذا الخیار "من الفلسطینیین" یعلمون علم الیقین أنَّ المعجزة بعینها هی أن یلبِّی هذا الذی فشل حتى فی حَمْل إسرائیل على وقف نشاطها الاستیطانی لهم هذا المطلب.
وفی الخیار الثانی الذی سیؤخذ به بعد، وبسبب، فشل الخیار الأوَّل، سیدعو الفلسطینیون "ومعهم العرب" مجلس الأمن الدولی إلى الاعتراف بالدولة الفلسطینیة "المستقلة" فی حدود الرابع من حزیران 1967، مناشدین الولایات المتحدة، فی الوقت نفسه، أنْ تمتنع عن استخدام حق النقض "الفیتو".
وإنَّه لشبه معجزة أنْ تسمح الولایات المتحدة، عبر امتناعها عن استخدام الفیتو، لمجلس الأمن بأن یتَّخذ قراراً کهذا.
ولو افترضنا أنَّها سمحت، فهل من الواقعیة السیاسیة فی شیء أنْ نتوقَّع أنْ یُتَرْجَم هذا القرار بما یؤدِّی إلى إقامة هذه الدولة فی زمن یقاس بالساعة السیاسیة؟!
الخیار الثالث هو الخیار الأکثر واقعیة؛ وفیه یدعو الفلسطینیون الجمعیة العمومیة للأمم المتحدة إلى الاجتماع بموجب بند "التحالف من أجل السلام"، فیکتسب کل قرار یصدر عن هذا الاجتماع الصفة الإلزامیة نفسها التی تتمتع بها قرارات مجلس الأمن الدولی، الذی منعته الولایات المتحدة "باستخدامها الفیتو" من الاعتراف بالدولة الفلسطینیة "المستقلة" فی حدود 1967.
الخیار الرابع یمکن أن یتفرَّع من الخیار الثالث، فتقرِّر الأمم المتحدة "ضمن ما تقرِّره" وضع "فلسطین"، أی کل الأراضی الفلسطینیة التی احتلتها إسرائیل فی حرب حزیران 1967، تحت الوصایة الدولیة.
إنَّ اجتماع الجمعیة العمومیة للأمم المتحدة، بموجب هذا البند، واتِّخاذها، من ثمَّ، قرارات مؤیِّدة للفلسطینیین وحقوقهم القومیة "التی تتمتع بالشرعیة الدولیة" قد یکون أحدها وضع "فلسطین" تحت الوصایة الدولة، هو أخطر وأعظم تَحَدٍّ یمکن أن تواجهه إسرائیل والولایات المتحدة معاً.
وعلى أهمیة وضرورة هذه المحاولة ینبغی للفلسطینیین إلاَّ یعلَّلوا أنفسهم بوهم أنَّ الولایات المتحدة یمکن أنْ تسمح للجهود والمساعی الفلسطینیة "والعربیة" المبذولة فی هذا الاتِّجاه بالنجاح، فهذه المعرکة الدبلوماسیة والسیاسیة هی بمیزان المصالح الإستراتیجیة للولایات المتحدة "وإسرائیل" أُمُّ المعارک.
لقد وصفنا الخیار الثالث "ومعه الخیار الرابع الذی یمکن أن یتفرَّع منه" بأنَّه الخیار الأکثر واقعیة، متوقِّعین له، فی الوقت نفسه، الفشل؛ أمَّا النتیجة العملیة والواقعیة والنهائیة لفشل الخیارات الأربعة فهی الأخذ بالخیارین الخامس والسادس، ألا وهی توقُّف الفلسطینیین عن تنفیذ الاتفاقیات الموقَّعة مع إسرائیل، وحل السلطة الفلسطینیة، توصُّلاً إلى وضع إسرائیل أمام مسؤولیاتها "القانونیة الدولیة" بصفة کونها "سلطة احتلال" فی "الأراضی الفلسطینیة".
السلطة الفلسطینیة، وعن عمد، لم تُدْرِج خیار المقاومة على وجه العموم، والمقاومة بالسلاح على وجه الخصوص، فی عداد خیاراتها البدیلة من خیار المفاوضات؛ لأنَّ هذا الخیار "أی خیار المقاومة" لن یکون خیاراً لسلطة اتَّخَذت من حلِّ نفسها خیاراً سادساً وأخیراً.
"الخیار السابع"، أی خیار المقاومة بأشکالها وصورها کافة، إنَّما هو خیار الشعب بعد حلِّ السلطة الفلسطینیة لنفسها.
لقد لوَّح رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس بخیار حلِّ هذه السلطة، مؤکِّداً ضمناً أنَّ لإسرائیل مصلحة فی عدم حلِّها، وفی بقائها، من ثمَّ، على ما هی علیه من ضعف.
وأحسب أنَّ الرئیس عباس الذی یستصعب العودة إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائیل قبل وقفها النشاط الاستیطانی سیستصعب أکثر حل السلطة الفلسطینیة؛ فإنَّ ذووی المصالح فی بقائها قد یضطَّرون إلى أن یثبتوا له أنَّه أضعف من أن یَقْدِم على أمرٍ کهذا.
أمَّا إذا فشلوا فی ذلک، ونجحت السلطة، من ثمَّ، فی حلِّ نفسها، فإنَّ إسرائیل قد تُنفِّذ، عندئذٍ، وربَّما قبل حلِّ السلطة، "انسحاباً" أحادی الجانب من أراضٍ فی الضفة الغربیة، یشبه "انسحابها" من قطاع غزة، تارکةً للفلسطینیین أمر تدبیر أمورهم بأنفسهم.
وهذا إنَّما یعنی عملیاً أنْ تُخْرِج إسرائیل جنودها ومستوطنیها من کل جزء من أراضی الضفة الغربیة لیس لها مصلحة فی الاحتفاظ بسیطرتها الدائمة علیه، مغلقةً کل المعابر بینها وبین تلک الأراضی، وکأنَّ ما حدث فی قطاع غزة یمکن ویجب أن یکون مستقبل الضفة الغربیة!
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS