الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الدولة أم السلطة؟!

 

ناجی صادق شراب

 

فی أعقاب الذهب إلى خیار الأمم المتحدة وتفعیل قرارات الشرعیة الدولیة، وتقدیم طلب الحصول على عضویة کاملة للدولة الفلسطینیة، وتحمیل الأمم المتحدة مسؤولیاتها السیاسیة والأخلاقیة إزاء القضیة الفلسطینیة وإستمرارها، ومسؤولیتها فی قیام الدولة الفلسطینیة کما منحت إسرائیل صفة الدولة وفقا للقرار رقم 181 الذی ما زال صالحا کأساس شرعی وقانونی لمطالبة الفلسطینیین بدولتهم، ومن منطلق أن قرارات الشرعیة الدولیة لا تسقط بالتقادم، أو قوة الإحتلال لعدم شرعیة أی تغییر على الأرض المقررة للدولة الفلسطینیة، یلوح الفلسطینیون بخیار حل السلطة الفلسطینیة بکل مؤسساتها، ومن ثم تلویح الرئیس عباس بتقدیم الإستقالة. وهنا تقفز التساؤلات التی واجهتنی من قبل أکثر من مواطن فلسطینی: کیف نطلب قیام الدولة وفی الوقت ذاته نهدد بحل السلطة؟ ألیست هذه السلطة ومؤسساتها التی قد شکلت أحد الرکائز والشهادات الدولیة بجهوزیتها وتأهیلها کأحد أهم أرکان الدولة؟ وماذا یعنی خیار حل السلطة؟

أولا وقبل الدخول فی تفاصیل الإجابة على هذه التساؤلات لا بد من توضیح ماذا نقصد بحل السلطة؟ ومن له مصلحة فی ذلک ومن الذی یتضرر من هذا الخیار؟!

لحل السلطة أکثر من وجه ومستوى: أولا فلسطینیا توجد حاجة لحل کافة مؤسسات السلطة، وتحریرها من مرجعیتها التی استندت إلیها، لأننا الآن نتکلم عن مرجعیة سیاسیة جدیدة، وبالتالی لا بد من حل السلطة واستبدالها بسلطة أخرى تتلاءم وطبیعة المرحلة الحالیة، وهی الحاجة إلى مؤسسات کفاحیة لها صفة المقاومة السلمیة الرافضة لسلطة الإحتلال، ومن ثم المقصود بحل السلطة هو إلغاء الطابع السیاسی لها، وبقاؤها وتحولها کمؤسسات خدماتیة کفاحیة تقدم الخدمات للمواطن الفلسطینی وتسهل علیه مقاومته ونضاله السیاسی.

وأما على المستوى الدولی فیقصد بالحل تحمل الأمم المتحدة والمجتمع الدولی وخصوصا الدول المعنیة والمباشرة، کالدول العربیة ودول الإتحاد الأوروبی وحتى الولایات المتحدة، مسؤولیاتها إزاء تنفیذ وتطبیق قرارات الشرعیة الدولیة، وبالتالی هی عبارة عن نقل مسؤولیة قیام الدولة فلسطینیا إلى الأمم المتحدة.. وهنا قد یبرز خیار الوصایة الدولیة فی المرحلة الإنتقالیة وصولا إلى الدولة الفلسطینیة بکامل عضویتها.

وأما إسرائیلیا فیعنی حل السلطة التاکید على مسؤولیة إسرائیل کسلطة إحتلال، وهنا المطالبة بتطبیق کل الإتفاقات الدولیة وإتفاقات جنیف والقانون الدولی الإنسانى بحمایة سکان المناطق المحتلة، وتوفیر کافة الخدمات الإنسانیة لهم، فمن السلبیات السابقة للسلطة إعفاء إسرائیل من هذه المسؤولیة، مع ما یترتب على ذلک من إلغاء کافة أشکال التنسیق الأمنی والتعاون الإستخباراتی. ومن ثم تصبح إسرائیل أمام مسؤولیاتها، وما قد یترتب على ذلک من تفعیل لخیار المقاومة بکل أشکالها لکن لا أحد یضمن بقاء المقاومة فی إطارها السلمی. وتصبح إسرائیل فی النهایة أمام خیارین: إما خیار الدولة الواحدة، وإما إلزامها بالإعتراف بالدولة الفلسطینیة التی ستنتزع بالقوة، مع کل ما یترتب على ذلک من تداعیات سیاسیة ومالیة وأمنیة وإقتصادیة قد لا تقدر علیها إسرائیل فی مرحلة التحول العربی، ومرحلة التحول فی موازین القوة، وتغییر قواعد اللعبة.

وفی ضوء هذا الفهم لحل السلطة، لیس من مصلحة أی طرف بمن فیه الطرف الفلسطینی حل السلطة الفلسطینیة لمواجهة المسؤولیة المباشرة لهذا الحل، وما قد یقود إلیه أولا من تنامی إتجاهات المقاومة العنیفة، وإتجاهات التشدد والتطرف، ومنح الفرصة أکبر لقوة التشدد التی ستعتبر ذلک إنتصارا لها، ولن یقتصر الأمر على حدود فلسطینی الداخل بل قد تمتد هذه الحالة إلى خارج فلسطین وتغطی المنطقة العربیة والإسلامیة والتواجد العربی والإسلامی فی العدید من الدول الأخرى، وهو ما یعنی زیادة إحتمالات الفوضى وعدم الإستقرار وإتساع دائرة الإرهاب وعودة الولایات المتحدة للمربع رقم صفر، وخصوصا أن البیئة السیاسیة الحالیة عربیا وإسلامیا ناضجة لذلک.

لکن الأمر لا یبدو بهذه السهولة التی نراها على الورق، فأولا الثمن الأکبر لأی خیار یتحمله من یعتبره خیاره وهو الجانب الفلسطینی هنا. ولأنه ثانیا: الأطراف الأخرى وخصوصا إسرائیل قد تحتوی هذا الخیار وتقوم بتطبیق خیار الإنسحاب الأحادی من الضفة الغربیة کما فعلت فی غزة، وقد لا تعود إلى إعادة إحتلال الضفة الغربیة لأن خیار الإحتلال سیکون مکلفا، وقد تتعامل مع السلطة ومؤسساتها الجدیدة عن بعد، بدفع أموال الضراب وترکز على الناحیة الأمنیة.

ویبقى التحدی فلسطینیا، ثالثا، مزدوجا من ناحیة کیف سیتم التعامل مع العدد الکبیر من الموظفین والمؤسسة الأمنیة التی قد أنفق علیها کثیرا حتى تصل إلى هذا التأهیل من القدرة والکفاءة، ومن ناحیة ثانیة ما هو موقف الجزء الآخر من السلطة فی غزة؟ وهل "حماس" على استعداد لحل سلطتها؟ ومع التسلیم بذلک یمکن أن تقول "حماس" إن مؤسساتها من النوع المقاوم، وبالتالی یکون مبررها مد نموذجها إلى الضفة الغربیة تحت مظلة المقاومة. وماذا عن مصیر مئات السفارات الدبلوماسیة والتمثیل الخارجی الذی أخذ وقتا وجهدا ومالا من أجل أن یؤسس هذا الجهاز؟ ومن ناحیة ثالثة المسألة لیست مجرد تلویح بحل السلطة قبل دراسته بعمق، ودراسة کل إحتمالاته.. أعتقد أن حل السلطة أشبه بنظریة کومة الرمل التی سأعود إلیها فی مقالة قادمة، والتی تعنی بعثرة الرمال فی سماء المنطقة وصعوبة التمسک بها وعودتها لحالتها الأولى.

لا بد هنا من طرح عدد من الملاحظات الهامة التی قد تساعدنا فی الوقوف على أبعاد هذا الخیار، وأول هذه الملاحظات أن قیام المؤسسات السیاسیة یأتی فی سیاق النضال الفلسطینی من اجل تکوین بنیة وکینونة سیاسیة تمثل اطارا مادیا ینظم العمل الفلسطینی ویشکل نواة لقیام دولة مستقلة حقیقیة..

والملاحظة الثانیة: هناک من یقول إن البدیل لذلک هو العودة لمؤسسات منظمة التحریر، والسؤال أین هی هذه المؤسسات؟ أضف إلى ذلک حاجة المنظمة فعلا إلى تفعیل وتطویر.. وکیف ستدیر الشؤون الداخلیة وتعقیداتها؟ هل بالعقلیة والمنهج القدیم ذاته؟ وهل تناسینا الدلالة السیاسیة لهذه المؤسسات السیاسیة؟!

والملاحظة الثالثة وأهمها أن قیام السلطة بمؤسساتها السیاسیة المتعارف علیها تشکل رکنا أساسیا من أرکان الدولة الفلسطینیة وبها یمکن أن تتکامل مع عنصری الأرض والشعب، ومن ثم فإن قیام هذه السلطة هو إستمرار لعملیة تمثیل الشعب الفلسطینی منذ تشکیل اللجنة العربیة من ثلاثینات القرن الماضی مرورا بحکومة عموم فلسطین وبمنظمة التحریر الفلسطینیة، ووصولا إلى تشکیل مؤسسات السلطة الفلسطینیة من تنفیذیة وتشریعیة وقضائیة. ولذلک فإن الحفاظ على هذه المؤسسات یشکل مصلحة وطنیة علیا متمثلا فی قیام الدولة الفلسطینیة التی هی النواة الحقیقة لممارسة الحقوق الوطنیة الفلسطینیة، ولذلک بدلا من التفکیر فی حل السلطة، لا بد من التفکیر فی کیفیة تفعیلها وتطویر أدائها.

ننتقل إلى الملاحظة الرابعة والمتعلقة بمصلحة إسرائیل. نعم لإسرائیل مصلحة فی حل السلطة، لأنها ستعلن أن السلطة الفلسطینیة قد فشلت فی إدارة شؤونها السیاسیة والإقتصادیة ولذلک الفلسطینیون غیر ناضجین ومؤهلین لدولة مستقلة..!! هذا أحد الجوانب، والجانب الآخر أن الفلسطینیین غیر جدیرین وغیر قادرین على التفاوض، وحسب ما تدعی مع من تتفاوض؟

أما التفکیر بأن إسرائیل ستعود وتتحمل مسؤولیاتها کسلطة إحتلال فهذا بالنسبة لها مستبعد، فهی من ناحیة إنسحبت من غزة ولا علاقة مباشرة لها فیها، وبالنسبة للضفة الغربیة بجدار الفصل تحقق نفس النتیجة، ویمکن تطبیق نموذج غزة فی الضفة الغربیة، ویکفیها الهدنة والتهدئة فی هذه المرحلة. وقد یفسر هذه المصلحة محاولات إسرائیل الدائمة والمستمرة لإجهاض السلطة فی عهد الرئیس عرفات وحصاره وتدمیر بنیة السلطة وإضعاف قدراتها الأمنیة والإقتصادیة حتى تعیش فی دائرة مفرغة من الضعف الذاتی الذی یسلبها القدرة السیاسیة على بناء الدولة المستقلة.

وتترتب على هذه الملاحظة الملاحظة الخامسة وهی الدفع بإتجاه الحلول الإقلیمیة والمتمثلة فی الخیار الأردنی وفکرة الوطن البدیل، والخیار المصری والدور الأمنی فی غزة مع دور فلسطینی محدود فی الداخل. أما فیما یتعلق بالخیار الدولی، وهنا تثار الشکوک حول فعالیة الأمم المتحدة، فقد یقتصر الدور الدولی على البعد الإنسانی ومن ثم تفقد القضیة الفلسطینیة بعدها السیاسی والقانونی..

وعموما فالسلطة الوطنیة الفلسطینیة سلطة منتخبة، أی تستمد شرعیتها من الإرادة الشعبیة بصرف النظر عن إتفاقیات أوسلو کمنشئة لها، ولذلک تعبر السلطة عبر مؤسسات صنع القرار عن القرار الفلسطینی بإعتبارها الجهة السلطویة الملزمة؛ ففی کل النظم السیاسیة هناک سلطة سیاسیة واحدة، ولذلک فحالة الإنقسام حالة شاذة لا بد من تجاوزها والعودة إلى مبدأ وحدانیة السلطة بدلا من التفکیر فی حلها. وفی الوقت ذاته فإن السلطة جزء لا یتجزأ من الشعب، فلا یصح التمییز بین السلطة والشعب، والحدیث عن السلطة وحلها بمعزل عن الشعب، ولذلک فإن محاولة الغاء السلطة هو فی الوقت ذاته إلغاء لإنجازات الشعب الفلسطینی.

ومن هنا فإن الإلتفاف حول السلطة مصلحة وطنیة، وخصوصا فى أوقات الأزمات السیاسیة کما هی الحالة السیاسیة الفلسطینیة السائدة، وعلیه أحد أهم المخارج لحل الأزمة الفلسطینیة، التأکید على وحدانیة السلطة الوطنیة بصفتها المجسدة لمفهوم المصلحة الوطنیة الفلسطینیة.

لقد بدأ الفلسطینیون الخطوة الأولى الصحیحة نحو تغییر قواعد اللعبة السیاسیة بالذهاب إلى الأمم المتحدة، وهم على مقربة خطوة واحدة من دولة مراقبة غیر عضو قد یشکل إنتزاعها بدایة لمرحلة جدیدة لإنتزاع دولة کاملة العضویة، وهی خطوة جاءت متأخرة أکثر من ستین عاما لکنها جاءت أفضل من أن لا تأتی، وهذا الخیار لیس بالسهل بل یحتاج إلى تفعیل کل الخیارات الفلسطینیة من إتمام المصالحة وإعادة بناء المنظومة السیاسیة الفلسطینیة على أسس من الدیمقراطیة، وصولا إلى رؤیة فلسطینیة قابلة للتطبیق والقبول، لیست رؤیة تسبح فی عنان السماء، ویحتاج الأمر أیضا إلى تفعیل خیار المقاومة السلمیة ببعدیها الداخلی والدولی، والتوجه نحو المجتمع الإسرائیلی فی الداخل لتقویة، أولا دور أکثر من عشرین فی المائة من سکان إسرائیل، أی عرب الداخل، وتفعیل دور البعد الإقلیمی والأوروبی وکل الدول التی تقف وراء قیام الدولة، فالولایات المتحدة ورغم کل قوتها لیست هی الوحیدة فی النظام الدولی..

وأخیرا المهم أن نبدأ الخطوة الفلسطینیة الثانیة الصحیحة، لکننی أخشى ما أخشاه أن تنهار هذه الخطوة بالخطوة الفلسطینیة الثانیة، وهذا مجرد تنبیه..!!.

ن/25

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143305







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  2. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  3. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  4. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  5. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  6. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  7. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  8. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  9. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
  10. طهران ترفع الستار عن وثائقي للمقاومة في فلسطين وايرلندا
  11. حكومة الاحتلال تقرّر توسيع الحرب على غزة رغم التحذيرات
  12. وزير العلوم الإيراني: الرأي العام العالمي لا يعترف بالكيان الصهيوني
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)