دور ترکیا فی القضیة الفلسطینیة (دراسة)
بقلم: رجب الباسل
فی الفترة من 2002-2010
(فترة حکم العدالة والتنمیة الاولى والثانیة)
مقدمة :
شهد العالم خلال السنوات القلیلة الماضیة تصاعدا مطردا وملحوظا فی الدور الترکی، سواء على المستوى الإقلیمی أو حتى على المستوى الدولی، وکان أبرز هذه الأدوار، هو الدور الترکی فی القضیة الفلسطینیة، وهو الدور الذی أثار الکثیر من التکهنات والتساؤلات خاصة فی ظل سیطرة حزب العدالة والتنمیة ذی المیول الإسلامیة على الحکم.
فثمة قائل أن الدور الترکی المساند للقضیة الفلسطینیة ینبع من توجه قیادات الحزب التی تتولى الحکم على أساس خلفیتهم الإسلامیة، والتی لابد أن تنحاز للجانب الفلسطینی وهو ما یوفر من جانب آخر شعبیة وأرضیة للحکومة الترکیة داخلیا وخارجیا.
وثمة رأی أن السیاسة الدولیة لا تعرف الأیدلوجیات، ولکنها تعرف المصالح، وأن السیاسة الخارجیة للحکومة الترکیة تعبر عن مصالح ترکیا العلیا، وأن کل خطواتها إنما تصب فی ذلک الاتجاه، حتى وإن بدا عکس ذلک.
فالدور المتصاعد والنفوذ المتنامی هو فی حقیقته مصلحة ترکیة؛ بهدف احتلال مساحات نفوذ على حساب أطراف أخرى بدت منکمشة، أو فی مواجهة قوى أخرى تمددت، وأن القضیة الفلسطینیة هی المجال الأکبر والأول لاحتلال تلک المکانة.
وثمة رأی ثالث؛ أن الدور الترکی-المتصاعد فی المنطقة وفی إطاره القضیة الفلسطینیة- جاء طبیعیا فی إطار الرغبة الأمریکیة فی تقدیم صورة للدولة الدیمقراطیة الإسلامیة التى یمکن أن یتولى الإسلامیون فیها الحکم فی ظل دستور علمانی وعدم صدام مع المصالح الأمریکیة الکبرى فی المنطقة.
فی إطار هذه التساؤلات وفی محاولة للوصول إلى تفسیر علمی لذلک الموقف الترکی خلال السنوات السبع الأخیرة، تأتی تلک الدراسة التی أحببت المشارکة بها فی المؤتمر العربی الترکی للعلوم الاجتماعیة، والذی یضم نخبة من الباحثین العرب والمسلمین من کل أنحاء عالمنا العربی والإسلامی، ولعلها تکون إضافة فی هذا المؤتمر الذی یمثل فی حد ذاته أحد تجلیات الدور الترکی فی مد جسور التواصل وتعمیقها مع العالمین العربی والإسلامی.
ومن ثم فإن هذه الورقة تحاول الإجابة على التساؤلات التالیة:
- ما تطورات الموقف الترکی من القضیة الفلسطینیة؟
- ما محددات الدور الترکی الحالی- الرسمی والأهلی - من القضیة الفلسطینیة؟
- ما هی انعکاسات الدور الترکی على أطراف القضیة وعلى علاقة ترکیا بها وبالأطراف الدولیة والإقلیمیة الفاعلة؟
منهج البحث:
جمع الباحث بین المنهجین التاریخی والتحلیلی بما یخدم أهداف البحث الذی ینطلق من التاریخ ثم یحلل الواقع لیصل إلى استشراف المستقبل.
تقسیم البحث:
ینقسم البحث إلى ثلاثة فصول وخاتمة:
- الفصل الأول: معالم الدور الترکی الحالی فی ضوء الخبرة التاریخیة ومستجدات الوضع المحلی والإقلیمی والدولی.
- الفصل الثانی: مستقبل الدور الترکی وانعکاساته على علاقة ترکیا بأطراف القضیة.
- الفصل الثالث: دور ترکی متزاید فی مصلحة من؟
- خاتمة.
أولا: معالم الدور الترکی الحالی فی ضوء الخبرة التاریخیة ومستجدات الوضع المحلی والإقلیمی والدولی:
یسعى الفصل الأول من الدراسة أن یتتبع الموقف الترکی منذ بدایات القضیة الفلسطینیة وخاصة مع إعلان دولة إسرائیل عام 1948 ثم الاعتراف الترکی بهذا الکیان حتى الآن، مرورا بالأحداث المحوریة فى تاریخ القضیة، ومن ثم معرفة الجدید فی الموقف الترکی مع حکومة العدالة والتنمیة.
1- الخلفیة التاریخیة للدور الترکی من القضیة الفلسطینیة
ارتبطت ترکیا بالقضیة الفلسطینیة منذ وقت بعید؛ حیث کانت فلسطین جزءا من الدولة العثمانیة حتى الاحتلال البریطانی لها عام 1922.
کما ترتبط ترکیا بالقضیة الفلسطینیة فی إطار الارتباط الإسلامی العام بالقضیة وهو الأمر الذی استمر حتى الآن.
فخلال فترة الدولة العثمانیة (1299- 1924م) تطور موقف الدولة من القضیة حسب قوتها وضعفها، فعندما بدأ الضعف یدب فی أوصال الدولة وسمحت بالامتیازات الأجنبیة فی إقلیمها تحت ضغوط من الدول الکبرى "استطاع رجل الأعمال الیهودی الإنجلیزی موشیه مونتیفیوری أن یحصل على ضمانات من الدولة العثمانیة بالحمایة والامتیازات، حیث أنشأ المستعمرات بدءا من عام 1839-1840، حیث تضاعف عدد الیهود من 1500 سنة 1837 إلى 10000 سنة 1840 ثم 15000 سنة 1860 ثم إلى 22000 مستعمر یهودی عام 1881 یترکز غالبیتهم فی القدس، حیث حصل موشیه مونتیفوری على فرمان عثمانی عام 1859 بشراء أرض خارج أسوار القدس أقام علیها مستشفى ومبان للیهود وتحولت إلى أول مستعمرة للیهود باسم "یمین موشییه"(1)
وعندما تولى السلطان عبد الحمید الثانی الخلافة (1876 –
ففی عام 1901 حاول تیودور هیرتزل -مؤسس المشروع الصهیونی- کسب موافقة الخلیفة عبد الحمید الثانی على توطین الیهود فی فلسطین، إلا أن السلطان العثمانی رفض ورد قائلا: "لن یستطیع رئیس الصهاینة "هرتزل" أن یقنعنی بأفکاره... لن یکتفی الصهاینة بممارسة الأعمال الزراعیة فی فلسطین، بل یریدون أموراً مثل تشکیل حکومة وانتخاب ممثلین... إننی أدرک أطماعهم جیداً، ولکن الیهود سطحیون فی ظنهم أنی سأقبل بمحاولاتهم".
وأرسل السلطان عد الحمید إلى "هرتزل" قائلاً له: "لا أستطیع أن أتنازل عن شبر واحد من الأرض المقدسة؛ لأنها لیست ملکی".(2)
وبعد ان تولی مصطفى کمال أتاتورک الحکم فی ترکیا ثم إلغاء نظام الخلافة الإسلامیة (
مرت المواقف الترکیة من القضیة الفلسطینیة بمراحل عدة لکن یمکن إجمالا وضع المحددات التی حکمت الموقف الترکی من القضیة الفلسطینیة وهی:
1- مدى الاقتراب الترکی من الغرب واعتبار موقفها المؤید لإسرائیل أحد بواباتها لذلک التقارب: حیث اعترفت ترکیا بدولة إسرائیل عام 1949 وکانت ترکیا أول دولة ذات غالبیة مسلمة تعترف بإسرائیل، ثم استقبلت إلیاهو ساسون کأول وزیر مفوض لبلاده فی ترکیا، وتم تبادل السفراء بینهما عام 1952، سبق ذلک توقیع اتفاقیات أمنیة بین البلدین عام 1951، ووقعت الدولتان إضافة إلى إثیوبیا معاهدة حزام المحیط فی أغسطس عام 1958، وکان مقابل ذلک من الجانب الغربی انضمام ترکیا لحلف شمال الأطلنطی-الناتو- عام 1952.
والعلاقة مع الغرب فی شقیه الأوروبی والأمریکی بعیدا عن تفاصیلها -التی یمکن الاختلاف بین مکونات النظام حولها - مطلب ملح لدى الجمیع فی ترکیا سواء المؤسسة العسکریة أو الشعب الترکی الذی یرى فی عضویة الاتحاد الأوروبی فرصة للانطلاق ورفع المستوى الاقتصادی.
2- مدى توافق هذه العلاقة مع الأمن القومی الترکی والقضایا الجوهریة الترکیة: مثل قضایا الأرمن والأکراد وقبرص وسوریا وهی أیضا قضایا لا یوجد خلاف حول کلیاتها مع وجود اختلافات فى الرؤى حول تفاصیلها.
فعندما تمیل إسرائیل للموقف الترکی یکون التعاون وهو ما حدث عام 1951 عندما وقّعت الدولتان اتفاقا أمنیا مقابل تزوید إسرائیل لترکیا بمعلومات أمنیة عن المنظمات الکردیة والأرمینیة والنشاط الیونانی فى البحر المتوسط.
وعندما مالت إسرائیل للیونان ضد ترکیا کما حدث عامی 1963- 1964 إبان الأزمة القبرصیة شهدت العلاقة بین الدولتین بعضا من التوتر حیث رفضت ترکیا العدوان الإسرائیلی على مصر وسوریا والضفة وغزة عام 1967 ودعت إلى احترام قراری مجلس الأمن رقم 242 و338 الداعیین إلى العودة لحدود ما قبل 5 یونیو 1967 ورفضت القرار الإسرائیلی بضم القدس إداریا بعد احتلالها عام 1967، لکنها لم تصل إلى حد القطیعة الدبلوماسیة، حیث رفضت قرار منظمة المؤتمر الإسلامی بقطع العلاقات الدبلوماسیة مع إسرائیل بعد حریق المسجد الأقصى عام 1969 ولکنها رفضت فی الوقت ذاته أن تکون معبرا للطائرات الأمریکیة لإمداد إسرائیل بالأسلحة أثناء حرب تشرین –أکتوبر 1973.
3- طبیعة النظام السیاسی القائم فی ترکیا والعلاقة بین الدینی والعلمانی ومدى اقترابه أو ابتعاده عن الکمالیة السیاسیة، وکذا مدى هیمنة العسکر على مجریات النظام: مع الأخذ فى الاعتبار أن هناک حدودا علیا ودنیا یعمل فی إطارها النظام القائم أیا کان توجهه ولکن فی النهایة طبیعته تجعله أکثر اقترابا من أی من تلک الحدود وبما لا یصطدم بالبعدین الأولین وهما العلاقة بالغرب والمصالح القومیة الترکیة العلیا.
فالعلمانیة المتشددة التی تحمیها المؤسسة العسکریة وبعض القوى الفاعلة داخل النظام الترکی –طبقا لدستور عام 1982-تجعل الاقتراب منها أو محاولة تخفیف حدتها أمر بالغ الصعوبة لأی قوة سیاسیة أو اجتماعیة ترکیة أیا کان توجهها.
والدین –خاصة الإسلامی الذی یدین به غالبیة الشعب الترکی- هو مکون أساسی أیضا لدى الشعب الترکی ورغم سیاسات النظام الترکی المتشددة تجاه الدین منذ عهد أتاتورک، إلا أن الدین لا زال له دوره وقبوله وتقدیسه وتعظیم دوره لدى فئات کثیرة فی الشعب الترکی؛ لذا یصبح لزاما على أی نظام سیاسی فی سیاساته الداخلیة والخارجیة أن یوازن قدر الإمکان بین تطلعات الشعب الدینیة وقیود المؤسسات الأمنیة العلمانیة.
ففی حالة النظام العلمانی الشدید أو سیطرة العسکر تکون العلاقة أقوى مع إسرائیل لکنها لا تصل إلى حد التجاهل التام للحقوق الفلسطینیة –إلا فی فترات محدودة جدا- کما أن ابتعاد النظام عن العلمانیة المفرطة أو اقترابه الشدید من الشکل المدنی، لا یصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسیة الکاملة مع إسرائیل أو تجمید التعاون فى بعض المجالات الاستراتیجیة.
4- طبیعة النظام الدولی، فالدور الترکی یختلف فی مرحلة الحرب الباردة عن ذلک الدور بعد سقوط الاتحاد السوفییتی السابق وهیمنة القطب الأمریکی الأوحد على العالم، ثم حالة التراخی البادیة فی سیطرة هذا القطب تأثرا بالحرب فی أفغانستان والعراق.
ومن ثم فإن البعض راهن على ضعف الأهمیة الاستراتیجیة لترکیا فی الرؤیة الأمریکیة بعد سقوط الاتحاد السوفییتی السابق، لکن ترکیا استطاعت أن تثبت تزاید أهمیتها لا تناقصها من خلال قراءتها الجیدة لمعطیات الوضع الدولی والتغیرات التی طرأت على البیئة الدولیة المحیطة خاصة بعد طرح إدارة بوش الابن عام 2004 لمبادرة الشرق الأوسط الکبیر، والتی رأى فیها بوش ترکیا نموذجا یمکن أن تحتذی به دول العالم الإسلامی فی التوفیق بین الإسلام وقیم الغرب.
-الموقف من الصراع العربی الإسرائیلی (1948-2002)
یرى بعض الباحثین (3) أن هناک "ثمة منظورات واقترابات عدیدة یمکن استخدامها لتحلیل السلوک الترکی تجاه الصراع العربی الإسرائیلی، أهمها منظور الحرب الباردة، واقتراب السلوک التصویتی، ومنظور الازدواجیة، واستخدام مفهوم التوازن فی السلوک الخارجی تجاه طرفی الصراع أو استخدام مفهوم التغیر فی السیاسة الخارجیة".
لقد مال البعض إلى منظور الحرب الباردة لتفسیر الموقف الترکی من الصراع العربی الإسرائیلی حیث کانت ترکیا محسوبة على المعسکر الغربی بینما القوة القائدة فى النظام العربی، وإن کانت رسمیا اتبعت نهج عدم الانحیاز إلا أنها کانت أقرب إلى المعسکر الشرقی بقیادة الاتحاد السوفییتی السابق، ومن ثم فإن أی موقف ترکی من هذا الصراع سیکون طبقا للمعسکر الذی تنتمی الیه وهو هنا معسکر مؤید للسیاسة الإسرائیلیة.
بینما الواقع طبقا لاقتراب السلوک التصویتی یؤکد أن ثمة توزانا فی السلوک التصویتی لترکیا فى المحافل الدولیة فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة فى نفس الفترة تقریبا وهو هنا ما یفسره البعض باقتراب الازدواجیة الترکیة بین الولاء للغرب والانتماء للشرق أو الإسلام.
إجمالا وبقراءة للمواقف الترکیة من مجمل قضایا الصراع العربی الصهیونی، فإن الناظر لأول وهلة، یجد أن ترکیا کانت أول دولة إسلامیة تعترف بدولة إسرائیل عام 1949، وکانت الأسبق أیضا فی إقامة علاقات دبلوماسیة معها، لکن بقراءة معمقة لمجمل المواقف بعد ذلک سیجد هناک توزانا ما – قد تمیل کفته أحیانا لصالح إسرائیل– فی الموقف من القضایا الکلیة للصراع.
فقد اعترفت ترکیا بإسرائیل عام 1949، لکنها رفضت العدوان الثلاثی على مصر عام 1956 ثم رفضت نتائج حرب یونیو 1967، وأیدت الموقف العربی رغم الخلافات التی کانت مع العرب حینها، وکانت أشد رفضا لضم إسرائیل للقدس -مدنیا- عام 1967 أو الاعتراف بها کعاصمة موحدة عام1980، کما رفضت أن تکون جسرا للمساعدات العسکریة الأمریکیة لمساعدة إسرائیل فی حرب أکتوبر 1973.
-الموقف من عملیة التسویة:
أعلنت ترکیا تأییدها لکل المبادرات السلمیة لتسویة الصراع العربی الصهیونی إجمالا أو على أحد مساراته القُطریة مع إسرائیل.
قد أیدت ترکیا مبادرة روجرز (أغسطس 1970) و قرار وقف إطلاق النار خلال حرب أکتوبر 1973، ورحبت بدعوات تنظیم مؤتمر دولی للسلام فی جنیف بحضور أطراف النزاع وبرعایة أمریکیة سوفییتیة، وبعد اتفاقیة السلام المصریة الإسرائیلیة عام 1979 أکدت على موقفها الداعی للانسحاب الإسرائیلی من الأراضی العربیة المحتلة فی 5 یونیو 1967.
واعترفت ترکیا بمنظمة التحریر الفلسطینیة عام 1975 کممثل شرعی ووحید للشعب الفلسطینی، ثم سمحت للمنظمة بافتتاح مکتب لها فى ترکیا عام 1979، ثم اعترفت بإعلان الدولة الفلسطینیة عام 1988.
وبعد حرب الخلیج الفارسی الثانیة -1991- أعرب الرئیس الترکی تورجوت أوزال عن رغبة بلاده أن ینعقد المؤتمر الدولی للسلام على الأراضی الترکیة، وبعد انطلاق المؤتمر بمدرید فی العام ذاته رأت ترکیا فی ذلک فرصة لتطویر وازدهار علاقتها بإسرائیل، حیث لم یعد لدى العرب الذین انتقدوها سابقا لإقامة علاقات مع إسرائیل حجة الآن؛ فالجمیع جلس مع إسرائیل. وبعضهم أقام علاقات دبلوماسیة، بل إن منظمة التحریر ذاتها دخلت فى مفاوضات أوسلو وغزة وأریحا، وعادت إلى الضفة وغزة فـ" تحقیق السلام فى الشرق الأوسط ینهى هذه الازدواجیة فى المواقف الترکیة، ویریح صانعی السیاسة الخارجیة الترکیة من مشقة إجراء حسابات دقیقة ومطولة لکل خطوة بخطوتها إزاء الشرق الأوسط."(4)
ومن ثم شهدت فترة التسعینیات من القرن الـ20 المیلادی أفضل فترات العلاقات الترکیة الإسرائیلیة التی وصلت إلى قمتها بتوقیع الطرفین لاتفاقیة التعاون الاستراتیجی الأمنیة بین الطرفین عام1996، وهی التی أثارت انتقادات عربیة شدیدة خاصة من مصر.
الموقف من المقاومة الفلسطینیة:
حکم الموقف الترکی من المقاومة الفلسطینیة فی عهودها المختلفة عدة عوامل منها:
1- الموقف الترکی المعلن فى إطار المحددات المعلنة من قبل، وهی الحفاظ على العلاقة مع الغرب وحمایة الأمن القومی الترکی، ومن ثم فإن نجاح إسرائیل فی الربط بین المقاومة الفلسطینیة وعملیات حزب العمال الکردستانی المسلحة على الأراضی الترکیة جذب تأییدا ترکیا لإسرائیل على حساب المقاومة، خاصة إذا نجحت إسرائیل أن تثبت وجود علاقة ما بین فصائل المقاومة والحزب، مثلما حدث فى الاجتیاح الإسرائیلی لجنوب لبنان عام 1982 "حیث أکدت لترکیا قیام منظمة التحریر بتدریب عناصر حزب العمال والجیش السری الأرمنی فی لبنان "(5)
2- الضغط الشعبی الداخلی لتأیید الحق الفلسطینی فى المقاومة وتحریر أرضه بوصفه حقا مشروعا کفلته المواثیق والشرائع الدولیة، وکذا فی إطار الحفاظ على العلاقات الاقتصادیة مع العالم العربی خاصة فى فترة الطفرة النفطیة خلال السبعینیات والثمانینیات من القرن العشرین المیلادی، والذی غلب على السیاسة الترکیة فیه أیضا الحیاد، وإن کان یمیل الى الجانب الفلسطینی على الأقل من ناحیة التصریحات المعلنة ولیس على أرض الواقع.
فقد اعترفت ترکیا بمنظمة التحریر عام 1975 وسمحت بافتتاح مکتب لها عام 1979 ووصفت الخارجیة الترکیة رد الفعل الإسرائیلی على الانتفاضة الأولى ( دیسمبر 1987 ) بأنه "انتهاک للحقوق الإنسانیة للفلسطینیین، وطالبتها بوقف هذا السلوک" بینما على المستوى الفعلی لم تتخذ قرارات على أرض الواقع ضد هذا التصعید الإسرائیلی (6).
ووفقا للبعض فإن ترکیا سمحت "لبعض الوکالات الخاصة فى ترکیا فى الربع الأخیر من عام 1988 إبان الانتفاضة الفلسطینیة فى الأراضی المحتلة فی مجال إرسال عدد من العمال الأتراک للعمل فى إسرائیل بأجور مجزیة لتقلیل اعتمادها على العمالة الفلسطینیة وقدر هذا العدد فى 25/1/1989 بحوالى 3 آلاف عامل ترکی" (7)
2- معالم الموقف الحالی فی ظل حکومة العدالة والتنمیة الأولى والثانیة (2002-2010)
جرت الانتخابات العامة یوم الثالث من نوفمبر/ تشرین الثانی 2002 وحصل حزب العدالة والتنمیة على 34% من الأصوات وأحرز 365 مقعدا من أصل 550، وأحرز حزب الشعب الجمهوری على 176 مقعدا و19% من الأًصوات. وفاز ببقیة المقاعد مرشحون مستقلون.
وفی الانتخابات المحلیة التی جرت یوم 28 مارس/ آذار 2004 أحرز الحزب 42% من الأصوات فی جمیع أنحاء البلاد.
وصل العدالة والتنمیة إلى سدة الحکم فى ترکیا فی ظل وضع سیاسی داخلی ودولی فرض علیه قیودا على حرکته، و دفعه لاتباع بعض التکتیکات السیاسیة لتحقیق أهدافه والوصول لها.
ویمکن أن نرسم البیئة التی وصل فیها الحزب للحکم فی عدد من الجوانب:
أ- وضْع العلاقات الترکیة الإسرائیلیة قبیل وصول العدالة للسلطة
وصل العدالة والتنمیة إلى سدة الحکم فی ترکیا وکانت العلاقات الإسرائیلیة الترکیة فی قمتها نتیجة لتطورات عدة فى عقد التسعینیات من القرن العشرین المیلادی، حیث زارت رئیسة الوزراء الترکیة تانسو تشیلر إسرائیل عام 1994 فی أول زیارة من نوعها لمسؤول ترکی بهذا المستوى منذ الاعتراف الترکی بإسرائیل. وبعدها بعامین زار الرئیس الترکی سلیمان دیمیریل إسرائیل أیضا وتوقیع الاتفاق الأمنی العسکری الاستراتیجی (فبرایر 1996) وشهدت العلاقات الاقتصادیة تطورا ملحوظا أیضا خلال نفس الفترة.
"تم تدعیم هذا التعاون باتفاقات لاحقة مثل (اتفاق 28/8/1996 بشأن مشروع تحدیث طائرات الفانتوم الترکی، واتفاق 1/12/1996 بشأن المشروع ذاته وتنظیم تدریبات ومناورات مشترکة. وکذا اتفاق 8/4/1997 بشأن تقدیر ومخاطر إیران وسوریا على البلدین. وتم التوصل إلى 14 اتفاقا ومشروعا للتعاون العسکری بین البلدین"(8)
وصل حجم التبادل التجاری بین البلدین إلى 1500 ملیون دولار فى مایو 2001 علما بأن هذا المبلغ لا یشمل ثمن صفقات الأسلحة بین الجانبین."
ب- بیئة النظام السیاسی الترکی
تولى العدالة والتنمیة الحکم فی ترکیا فی ظل بیئة سیاسیة معینة، وهی وجود مؤسسات رسمیة داخل النظام مثل: البرلمان والسلطة التنفیذیة (رئیس الوزراء ورئیس الدولة) والسلطة القضائیة، إضافة إلى إقرار الدستور لصلاحیات معینة لمجلس الأمن القومی الذی تسیطر علیه المؤسسة العسکریة، والتی تعتبر فی نفس الوقت حامی للنظام العلمانی وللعلاقات الترکیة مع الغرب.
مع الأخذ فی الاعتبار أن الدور السیاسی للعسکریین –الممنوح لهم وفقا للدستور- هو أحد معوقات انضمام ترکیا للاتحاد الأوروبی، وهو ما یجعل تحجیم دورهم من الناحیة الدستوریة یزید من فرص الانضمام للاتحاد فی ظل شروطه المعلنة.
کما تولى العدالة والتنمیة فی ظل تدهور شعبیة الأحزاب القائمة، سواء التی انفردت بالحکم أو الحکومات الائتلافیة التی سبقت الانتخابات البرلمانیة المبکرة فی نوفمبر 2002 حیث تدهور الاقتصاد الترکی، وزاد معدل الفساد، وفشلت الحکومة الائتلافیة فی مواجهة الأزمة الاقتصادیة؛ مما دفعها للاستقالة، والدعوة لانتخابات برلمانیة مبکرة.
إضافة إلى ما سبق، جاءت انتفاضة الأقصى فی سبتمبر 2000 التی تعاطف معها الشعب الترکی مقابل موقف رافض و متصاعد من الممارسات الإسرائیلیة ضد الشعب الفلسطینی خلال الانتفاضة، زاد من ذلک الحرب الأمریکیة على العراق، ثم احتلاله أبریل 2003 وبروز الدور الإسرائیلی الداعم للحرب وانکشاف المزید من الحقائق حول الدور الإسرائیلی شمال العراق والعلاقة مع الأکراد.
جـ- الخلفیات الأیدیولوجیة لحزب العدالة والتنمیة
یصر حزب العدالة والتنمیة دائما على وصف نفسه بالحزب الدیمقراطی المحافظ، ویرفض وصف نفسه بالإسلامی، ومن ثم فهو یرى أن موقفه من العدید من القضایا ومنها القضیة الفلسطینیة نابع من عوامل ثقافیة وتاریخیة، وتعبر عن موقف الشعب الترکی الذی انتخب الحزب.
لکن الأمر المؤکد، أن مؤسسی حزب العدالة والتنمیة الرئیسیین، هم من رجالات حزب الفضیلة الإسلامی الذین خرجوا منه، وقاموا بتأسیس حزب جدید بمنطلقات جدیدة وباستجابة أکبر لمطالب الشعب الترکی بناء على دراسات استقصائیة قام بها الحزب لیکون خطابه أقرب لرجل الشارع الترکی وتطلعاته.
وکانت الفکرة الأساسیة لحزب العدالة أنه "یجب التخلی عن الخطاب الدینی الذی التزمه حزب الفضیلة بقیادة أربکان، وأن یستخدم خطابا یتفق مع الواقع الترکی والعالمی أیضا.
لذلک تبنى "مسؤولو حزب العدالة والتنمیة اقترابا یسعى للتوفیق بین قیم الغرب والقیم الإسلامیة. ربما کان التغییر أکبر فی مستوى الأدوات والشرکاء الإقلیمیین المساعدین ولیس فی التوجه العام للاستراتیجیة الترکیة الخارجیة"(9)
وبذلک استطاع الحزب أن یستمر على "التقالید العثمانیة ذات الطابع الإمبراطوری الذی یقوم علی التوفیق والتعایش بین خیارات متعددة والوصول لحلول وسط، وهو العامل الذی أدى بـ "الأتاتورکیة" ذات الطابع الاستئصالی إلى عدم النجاح، کما أدى بـ "الأربکانیة" ذات الطابع الإحیائی الذی یحمل نزعة جذریة إلى التراجع، بینما مهد الطریق أمام "الأردوغانیة" فی صیغتها الدیمقراطیة المحافظة المتواصلة مع الطابع العثمانی (عثمانیة جدیدة) للوصول إلى السلطة." (10)
وتکون الحزب الذی یضم حوالی 3 ملایین عضو وأکثر من 80 فرعا فی جمیع أنحاء الدولة الترکیة خلیطا من اتجاهات عدة، أهمها الإسلامیون ورجال الأعمال والقومیون الأتراک، تمثل کلها روافد هامة لمواقف الحزب السیاسیة والاقتصادیة.
- معالم الموقف الترکی الحالی من القضیة الفلسطینیة:
حدد حزب العدالة والتنمیة استراتیجیته الخارجیة من منظر الحزب ووزیر الخارجیة الحالى "أحمد داود أوغلو" الذی استطاع صهر کل المحددات المذکورة سلفا والخروج بنظریة جدیدة للسیاسة الخارجیة الترکیة تقوم على مبدأ "صفر مشاکل" الذی أعلنه فی کتابه "العمق الاستراتیجی.. مکانة ترکیا الدولیة".
یقول أوغلو فی مقال بمجلة فورین بولیسی الأمرکیة عدد یونیو 2010 "رؤیتنا للسیاسة الخارجیة الترکیة تعتمد على ثلاثة محاور، الأول یتعلق بدولتنا، وهو قائم على التوازن بین الأمن والحریة من أجل أن تأخذ ترکیا موقعها بین أقوى دول العالم. المحور الثانی یتعلق بالإقلیم من حولنا، ویقوم على التأثیر القوی فی الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، نحن لا نمثل 75 ملیون ترکی فقط، بل نحن معنیون بکل مکان یتواجد فیه الأتراک أو عاشوا فیه سابقا. المحور الثالث وهو المحور العالمی القائم على أن یکون لترکیا دور وکلمة فی جمیع القضایا العالمیة من تغییر المناخ إلى القضایا السیاسیة المختلفة من تشیلی وحتى الفلیبین" (11)
"إن ترکیا حسب رؤیة أوغلو لیست فی موقع التصادم أو حتى التناقض لا مع الولایات المتحدة ولا مع إسرائیل، وهی تبحث عن أفضل الطرق والأدوار لإحلال السلام فی بیئتها الإقلیمیة بما فی ذلک السلام بین العرب وإسرائیل" (12)
ویرى الدکتور إبراهیم البیومی غانم أستاذ العلوم السیاسیة وخبیر الشأن الترکی أن "للدکتور أحمد داود ثلاث نظریات أساسیة تعبر عن رؤیته للعلاقات الدولیة تعبیرا أصیلا فی نسبته إلى أفکاره، وإدراکه لذاته الحضاریة/الإسلامیة، بحسب مصطلحاته هو فی کتاباته، وهی: نظریة التحول الحضاری، ونظریة العمق الاستراتیجی، ونظریة العثمانیة الجدیدة"
حیث یبرهن أوغلو فی الأولى –التحول الحضاری- على أن ما یجری فی العالم منذ سقوط الاتحاد السوفییتی لیس تعبیرا عن انتصار الرأسمالیة/اللیبرالیة، ولا عن نهایة التاریخ، وإنما هو تعبیر عن تحول حضاری واسع المدى سیصبح العالم بعده عالم متعدد الأقطاب.
وتتمثل الثانیة -العمق الاستراتیجی- فی إخراج ترکیا من بلد "طرف"، أو "هامش" یقتصر دورها فی کونها عضوا فی محاور وعداوات، إلى بلد "مرکز" على مقربة واحدة من الجمیع، وفی الوقت نفسه إلى بلد ذی دور فاعل ومبادر فی کل القضایا الإقلیمیة والدولیة.
أما الثالثة -العثمانیة الجدیدة- فقوامها ثلاثة مرتکزات، أولها: أن تتصالح ترکیا مع ذاتها الحضاریة الإسلامیة بسلام، وتعتز بماضیها "العثمانی" متعدد الثقافات والأعراق، وتوسع الحریات فی الداخل، وتحفظ الأمن فی الخارج، وثانیها: استبطان حس العظمة والکبریاء العثمانی والثقة بالنفس عند التصرف فی السیاسة الخارجیة، والثالث: الاستمرار فی الانفتاح على الغرب، مع إقامة علاقات متوازنة مع الشرق الإسلامی.(13)
ویمکن أن نمیز موقف العدالة والتنمیة من القضیة الفلسطینیة خلال مرحلتین متداخلتین:
الأولى منذ وصوله للحکم فی نوفمبر 2002 حتى الهجوم الإسرائیلی على غزة دیسمبر2008: حیث استمر الموقف الترکی فی عهد العدالة والتنمیة المؤید لاعلان الدولة الفلسطینیة عام 1988 التی اعترفت بها ترکیا بعد الإعلان مباشرة، ولم یطرأ أی تغیر على هذا الموقف الترکی المعلن. وفی قضیة القدس استمر موقف ترکیا الرافض لاحتلال إسرائیل للجانب الشرقی منها.
الثانیة:الهجوم الإسرائیلی على غزة دیسمبر 2008 حتى نوفمبر 2010:
حیث بدأ الموقف الترکی برفض الحصار الإسرائیلی على قطاع غزة، ثم استقبال رئیس المکتب السیاسی لحرکة المقاومة الإسلامیة -حماس-خالد مشعل بعد فوز الحرکة بالانتخابات البرلمانیة عام 2006. وقال عبد الله غول - بصفته الحزبیة لا الرسمیة -بعد استقباله لمشعل إن "ذلک الاستقبال من منطلق أن ترکیا تسعى لدور أکبر فى منطقة الشرق الأوسط، وأنه لا یمکنها أن تقف موقف المتفرج، مشددا على أن ترکیا مهتمة بالمشکلة الفلسطینیة، وأنها ستواصل العمل على وقف العنف بین الإسرائیلیین والفلسطینیین. (14)
ووفقا لتصریحات غول، فإن موقف حکومة حزب العدالة والتنمیة فی التعامل مع الحصار المفروض على قطاع غزة انطلق من خلال السعی للعب دور إقلیمی فاعل، إضافة إلى تعاطف الشعب الترکی مع أهالی غزة، والقیام بمبادرات شعبیة لفک الحصار.
ثم تصاعدت حدة الموقف الترکی بعد أحداث ثلاثة هامة وهی:
1- العدوان الصهیونی على قطاع غزة دیسمبر 2008-ینایر 2009
حیث وصف أردوغان الاعتداء بعبارات مثل "إن ما یحدث فی غزة من قبل إسرائیل عدوان سافر"، "وإنَّ من لم یدینوا الهجوم على غزة مزدوجو معاییر"(15)
بینما نقلت صحیفة حریت الترکیة عن وزیر الخارجیة الترکی حینها-علی باباجان –قوله لوزیرة الخارجیة الإسرائیلیة تسیبنی لیفنی: أبوابنا مفتوحة، لکن علیک أن تتحدثی عن شروط وقف اطلاق النار إذا أردت المجیء إلى ترکیا. (16)
2- المناظرة بین رئیس الوزراء الترکی رجب طیب أردوغان والرئیس الإسرائیلی شیمون بیریز فی مؤتمر دافوس بعید انتهاء العدوان فی 29-1-2009 فی الجلسة المخصصة لمناقشة تداعیات الحرب على غزة، وقد عقدت على هامش جلسات المنتدى الاقتصادی فی "دافوس"، حیث قال أردوغان لبیریز "أشعر بالأسف أن یصفق الناس لما تقوله، لأن عددا کبیرا من الناس قد قتلوا، وأعتقد أنه من الخطأ وغیر الإنسانی أن نصفق لعملیة أسفرت عن مثل هذه النتائج"، ثم انسحب من الجلسة اعتراضا على عدم إعطائه وقتا کافیا ومساویا لبیریز.
3-وأخیرا الاعتداء الإسرائیلی العسکری على سفن کسر الحصار الترکیة المتجهة لغزة (31 مایو 2010) واستشهاد تسعة أتراک بدم بارد على السفینة مرمرة، وهی العملیة التی أشاد بها رئیس الوزراء الإسرائیلی بنیامین نتنیاهو.
حیث وصف أردوغان الهجوم فی خطاب له أمام البرلمان ما حدث قائلا "ضمیر الإنسانیة تلقى واحدا من أشد الجروح على مر العصور"،وأنه "یستحق کافة أشکال اللعن" و"سقوطا من الناحیة الإنسانیة وتهورا حقیرا" و"إرهاب دولة" محذرا إسرائیل من ألا تحاول "اختبار صبر ترکیا أو مواکبتها. وبالقدر الذی تعتبر صداقة ترکیا غالیة فإن معاداتها قاسیة بالقدر نفسه."
وشدد أردوغان على أن ترکیا لن تدیر ظهرا للشعب الفلسطینی أو لقطاع غزة."(17)
وفی رد فعل سریع على حادث الاعتداء، قامت الحکومة الترکیة بعدد من الإجراءات، منها استدعاء السفیر الترکی لدى تل أبیب، وإلغاء ثلاث مناورات عسکریة مبرمجة مشترکة مع إسرائیل، ودعوة مجلس الأمن لاجتماع طارىء لمناقشة الهجوم، وإلغاء المباریات التی کان من المفروض أن یشترک فیها منتخب ترکیا للشباب لکرة القدم والموجود فی إسرائیل حینها، و دعوة مجلس حلف الناتو إلى اجتماع طارئ.
کما قاطعت ترکیا مؤتمرا لدول منظمة التعاون الاقتصادی والتنمیة حول السیاحة الذی نظمته إسرائیل خلال شهر أکتوبر 2010؛ احتجاجًا على عقده فی المدینة المقدسة. (18) وقد وضعت ترکیا شروطا لعودة العلاقات إلى طبیعتها مع إسرائیل، منها الاعتذار الرسمی عن حادثة الهجوم، ودفع التعویضات، والموافقة على تشکیل لجنة تحقیق دولیة.
ثانیا: محددات موقف العدالة والتنمیة من القضیة الفلسطینیة ومستقبل الدور الترکی:
هناک عدد من المحددات ستؤثر على الدور الترکی الخارجی خاصة فیما یتعلق بدورها فی الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضیة الفلسطینیة، وهذه المحددات یمکن أن نلخصها فی محددات أربعة، ستؤثر بشکل أو بآخر فی طبیعة الدور ومستقبله وحدوده وأبعاده.
أولا: الموقف الداخلی الترکی من هذا الدور:
یمکن أن یتم تقسیم الداخل الترکی إلى دواخل فرعیة، هی الشعب الترکی بتوجهاته المختلفة إسلامیة وقومیة وعلمانیة، ورجال الأعمال، والمؤسسة العسکریة وحلفاؤها.
وکل قوة من هذه القوى لها موقف أو انطباع عن ذلک الدور الذی تقوم به حکومة العدالة والتنمیة.
فالشارع الترکی یمکن أن یتم تقسیمه لغالبیة مؤیدة لسیاسات العدالة والتنمیة تجاه القضیة الفلسطینیة، یصل موقف البعض من هذه الغالبیة إلى اتخاذ مواقف أکثر تشددا من موقف الحکومة ذاتها، سواء بناء على مواقف إسلامیة أو قومیة ترکیة.
وهناک أقلیة سیاسیة کبیرة ذات توجه علمانی، ترى فی توجهات العدالة والتنمیة التی تسیر باتجاه تأیید حقوق الشعب الفلسطینی فی أنها مواقف تناقض مبادئ العلمانیة الترکیة والحیاد فی الصراع العربی الإسرائیلی، بل إن البعض یجتر الماضی مذکرا بموقف العرب فی ثورة الشریف حسین من الدولة الترکیة وانحیازهم لقوات الحلفاء للاستقلال عن الخلافة العثمانیة.
إجمالا یمکن أن نعتبر الشارع الترکی مؤیدا لسیاسات العدالة والتنمیة وضاغطا علیها لمزید من التأیید للفلسطینیین، خاصة فی ظل التطورات المتسارعة المتعلقة بالقضیة والعدوان الإسرائیلی المستمر أو الانکشافات الأخیرة المتعلقة بالدور الإسرائیلی فی دعم الأکراد شمال العراق، واتهامها بدور فی المؤامرة التى کشفتها الحکومة الترکیة لبعض العسکریین الحالیین والسابقین للانقلاب على الحکومة الحالیة، والقیام بعملیات اغتیال فی صفوفها، وهو ما عرف بقضیة "ارجنکون" حیث أکدت "صحیفة «تقویم» التابعة لمجموعة «صباح» المقربة من الحزب الحاکم، أن الشبکة استخدمت نظام أجهزة «ماجلان أس 313» الإسرائیلی الصنع، والذی أحضرته من إسرائیل عبر قبرص الشمالیة"(1).
القوة الثانیة هی القوى العلمانیة فی ترکیا وهی بداخلها إما قوى متشددة کحزب الشعب أو قوى علمانیة غیر متشددة لکنها ترید استمرار الوجه العلمانی لترکیا.
وفی دولة مثل ترکیا کان انقلابها الأساس فیه فرض العلمانیة فی أقصى درجات تشددها وجعلها ثقافة مجتمع، یصبح وجود قوى علمانیة أمرا مؤکدا وطبیعیا خاصة إذا کان الدستور ینص فی مادته الأولى على أن ترکیا دولة علمانیة، کما أن سلطتی القضاء والجیش یدافعان عن هذا الخیار.
لذلک ینظر هؤلاء-العلمانیون المتشددون- لأی توجه ترکی تجاه القضیة الفلسطینیة على أنه توجه إسلامی ضد علمانیة الدولة، ولیس توجها سیاسیا یصب فی خانة المصالح القومیة ونمو الدور الترکی الخارجی على المستوى الإقلیمی والدولی.
وتستغل هذه الأطراف التوجه الإسلامی المقاوم لحرکة المقاومة الإسلامیة حماس "لاتهام أردوغان بالانحیاز إلى جانبها، وهو ما یتناقض مع أسـس ومبادئ الجمهوریة العلمانیة ومصالحها الاستراتیجیة المقصود بها العلاقة مع أمریکا وإسرائیل ومنظمات اللوبی الیهودی"(2)
أما القوة الثالثة فهی المؤسسة العسکریة والتی تمثل حامی الدستور وعلمانیة الدولة والمدافع الرئیس عن علاقات ترکیا بإسرائیل والمرتبط معها باتفاقیات عسکریة وأمنیة واستخباراتیة متعددة یأتی على رأسها اتفاق التعاون الأمنی الاستراتیجی عام 1996 ودور الجیش محصن وفقا لدستور عام 1982 الذی وضعه قادة انقلاب کنعان إفرین عام 1980 والذی جعل للمؤسسة العسکریة دورا متعاظما فی الشأن السیاسی الترکی، وجعل قرارات مجلس الأمن القومی الذی یسیطر علیه العسکریون-حتى تعدیلات الدستور 2001 ثم 2009 –ملزمة للحکومة ولیست على سبیل الاسترشاد.
القوة الرابعة وهم رجال الأعمال، وهؤلاء لهم دور رئیس فی السیاسة الخارجیة الترکیة ویشکلون نسبة کبیرة من مؤیدی العدالة والتنمیة فی سیاساته الداخلیة والخارجیة.
ثانیا -الموقف الأمریکی والأوروبی
تعد ترکیا بالأساس حلیف استراتیجی للغرب والولایات المتحدة، وهی الدولة الإسلامیة الوحیدة العضو فی حلف شمال الأطلنطی –الناتو- وکانت محورا مهما فی المعسکرالغربی إبان الحرب الباردة وقبل سقوط الاتحاد السوفییتی باعتبارها من أقرب دول الحلف جغرافیا للاتحاد السوفییتی السابق، ویوجد فی ترکیا واحدة من أکبر القواعد العسکریة الأمریکیة بالخارج، وهی قاعدة انجرلیک الجویة جنوب ترکیا، وبعد سقوط الاتحاد السوفییتی استمر الدور الترکی خاصة فی حرب الخلیج الثانیة –عام 1991-أو ما یعرف بحرب تحریر الکویت ثم شارکت ترکیا أیضا فی الحرب الأمریکیة على أفغانستان عام 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر الشهیرة.
لکن بعد ذلک حدثت تغیرات هامة أثرت فی الموقف الترکی من العلاقات مع الولایات المتحدة هی:
- رؤیة الإدارة الأمریکیة أو طرحها لما یسمى الشرق الأوسط الکبیر، والتی جعلت من ترکیا نموذجا یمکن الاحتذاء به فى علاقة العالم الإسلامی بالغرب، حیث تجمع بین الإسلام وقیم العلمانیة الغربیة الحدیثة، وبما یحسن صورة الولایات المتحدة فى المنطقة بعد غزو أفغانستان والعراق و"خلق توازن استراتیجی بین ترکیا وإیران فی الشرق الأوسط، وذلک فی ظل حالة الفراغ التی خلّفها سقوط نظام صدام حسین".(3)
ویرى البعض أن الاستراتیجیة الأمریکیة فی عهد الرئیس باراک أوباما هی أنه یرید من ترکیا أن تکون حصان طروادة لسیاساته فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة، والتی تقوم على " شقین: الخطاب السیاسی الودی، والمضمون السیاسی القائم على استمراریة الهیمنة، وتحویلها إلى "هیمنة ناعمة" بعد إخفاق عسکرتها"(4)
-الحرب الأمریکیة واحتلال العراق عام 2003 فی ظل رفض ترکی للاشتراک فی الحرب أو استخدام قاعدة انجرلیک للهجوم على العراق، والخشیة من تداعیات الاحتلال الأمریکی للعراق، والدور المتصاعد للأکراد وخشیة استقلالهم بدولة کردیة شمال العراق والکشف عن الدور الإسرائیلی فی شمال العراق.
-وصول العدالة والتنمیة للحکم باستراتیجیة جدیدة لا ترفض التعاون مع الغرب، لکنها ترى طبقا لمهندس السیاسة الخارجیة الجدیدة –أحمد داود أوغلو- أن ترکیا دولة مرکز لا هامش، وأن العالم سیتحول إلى متعدد الأقطاب ولیس أحادی القطبیة، ومن ثم فإن السیاسة والدور الترکی یجب أن یکون وفق هذا التصور.
یقول أحد الخبراء السیاسیین الأمریکیین فی تحلیل ذلک أن "النظام الثنائی القطبیة فی فترة الحرب الباردة لم یعد قائما، ولا یمکن للولایات المتحدة أن تفترض بأن ترکیا سوف تسعى لإقامة تحالف معها وحدها، وترفض التقارب مع غیرها من الدول القویة مثل الصین أو الدول التی تحقق من خلال علاقاتها معها مکاسب اقتصادیة واعدة"(5)
إذن هناک رؤیتان أمریکیتان للدور الترکی:
الأول: یرى أن الإدارة الأمریکیة لا ترفض الدور الترکی فی القضیة الفلسطینیة؛ لأنها تعلم أن هناک سقفا أو خطا أحمر لن تتجاوزه ترکیا فی علاقتها بالغرب أو إسرائیل. بینما سقف إیران-اللاعب القوی فی المنطقة وفی القضیة الفلسطینیة- فی التعامل مع القضیة أعلى کثیرا من ترکیا. والولایات المتحدة ترید بدیلا إسلامیا معتدلا یجذب حماس نحو الاعتدال فی مواجهة نفوذ إیرانی یهدد أمن إسرائیل.
فـ"الولایات المتحدة باتت مدرکة للصعوبات التی تواجهها فی المنطقة، وترى فی ترکیا احتیاطیاً استراتیجیا یمکن الرکون إلیه لیشکل عامل استقرار وحاجة ملحة فی الأزمات المعقدة"(6)
الثانی: یرى أن العدالة والتنمیة یتبنى الرؤیة الإسلامیة السیاسیة بصورة کاملة فطبقا لـ"سونر چاغاپتای" مدیر برنامج الأبحاث الترکیة فی معهد واشنطن "فإن «حزب العدالة والتنمیة» یرى کل شیء من خلال عدسات الصراع الحضاری، فلا یمکن أن یکون وسیطاً نزیهاً. وقد أصبح هذا واضحاً عندما أصبح «الحزب» وبسرعة مدافعاً عن الجانب الإسلامی حین سُمح له بإقحام نفسه بین «حماس» والسلطة الفلسطینیة أو بین أوروبا وإیران".(7)
کما أن "المعلِّقین المحافظین فی واشنطن یحلمون بتحالف بین الیونان وإسرائیل وکردستان العراق، لإضعاف ترکیا, وفی اجتماع مغلق لأعضاء "هیریتاج فاوندیشین" (مؤسسة التفکیر "هیریتاج" (التراث) التی تعد من معاقل المحافظین فی واشنطن)، سُمع بقوّة تعبیر "یجب أن نعاقب ترکیا" "(8).
-الموقف الإسرائیلی من الدور الترکی المتصاعد
الموقف الإسرائیلی من الدور الترکی أقرب للموقف الأمریکی، فهو یرید دورا ترکیا باعتبار العلاقات التاریخیة والاستراتیجیة مع ترکیا وباعتبار أن نظام الحکم فى ترکیا أیا کان توجهه لن یغامر بالعلاقات مع إسرائیل؛ لأنه یعلم أنها بوابة قبوله فى الغرب.
ولکن مع الإقرار بوجود تفسیرات عدة إسرائیلیة لذلک الموقف، بعضها یمیل لتفسیر التغیر فی العلاقة بسبب المنحى الأصولی للعدالة والتنمیة، والبعض الأخر یتهم الدیمقراطیة بأنها السبب وراء وصول حزب مثل العدالة والتنمیة للحکم فى ترکیا، ویرى فی الدیمقراطیة خطرا على إسرائیل إذا ما طبقت فى الدول العربیة والإسلامیة. ورأی ثالث یفسر ذلک بأنه صراع على المکانة الإقلیمیة، فترکیا الجدیدة "لا ترکل إسرائیل ولا تغیر ألوانها. ولکنها ترید حلیفا لا یحرجها، لا فی نظر جمهورها ولا فی نظر حلفائها الآخرین"(9)
إذن هناک أیضا رأیان إسرائیلیان حیال الدور الترکی:
الأول: یرى أن ترکیا لن تضحی بعلاقاتها مع إسرائیل، وأن لاقترابها من الفلسطینیین وابتعادها عن إسرائیل حدودا لن تتعداها.
یقول یورى ووردن أول سفیر إسرائیلی فی ترکیا لوکالة فرانس برس – فی إطار فهمه لهذه المعادلة التی تحکم الموقف الترکی من القضیة الفلسطینیة بعد فوز العدالة والتنمیة بالانتخابات فی 3 نوفمبر 2002 - لست متشائما البتة، وعلى العکس فأنا أعتقد أن العلاقات الجیدة بین إسرائیل وترکیا ستستمر. وأضاف ووردون "إذا أرادت ترکیا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبی والإبقاء على علاقاتها الجیدة مع الولایات المتحدة، والاثنان یصبان فی المصلحة الترکیة فإن الحکومة الجدیدة لا تستطیع أن تعدل علاقاتها السیاسیة مع إسرائیل".
ویقول الرئیس الإسرائیلی – السابق- موشیه کاتساف – بعد وصول العدالة والتنمیة للحکم -بأنه لیس قلقا من صعود حزب العدالة إلى الحکم فی ترکیا، لأن المصالح الوطنیة للدولتین تقرر دوما أن تبقى العلاقات بینهما جیدة.
و یقول الباحثان الإسرائیلیان ألون لیفین ویوفال بستان تعقیبا على المواقف الترکیة: إن "ترکیا لیست معنیّة بالدخول فی حرب مع إسرائیل، ولکنها أرادت فقط تحقیق بعض نقاط القوّة فی المنطقة، وفی الساحة الترکیة الداخلیة، والظهور بمظهر المدافع عن حقوق الفلسطینیین، وإظهار قدرتها على إحراج إسرائیل المرّة تلو المرّة" (10)
فالدور الترکی سوف یحقق لإسرائیل أهداف جذب حماس وسوریا بعیدا عن إیران وتقدیم حلیف بدیل أکثر اعتدالا وقبولا لدى الغرب وإسرائیل؛ "لهذا یأتی الضغط الترکی على إسرائیل منحصراً فی الشکلیات والجزئیات، أما الأساسیات فلن یکون محلاً لها حتى إشعار آخر أو تغیر جذری فی المواقف الاستراتیجیة الترکیة."(11)
لذلک ورغم الانتقادات الترکیة اللاذعة لسیاسة إسرائیل تجاه غزة وتبعات الهجوم الإسرائیلی على أسطول الحریة، فإن "الترکیبة المعقدة لبنیة العلاقات الترکیة الإسرائیلیة لم تکن لتحرم الأتراک والإسرائیلیین من مساحة محددة ومحسوبة من الانتقادات والإدانات المتبادلة عبر الحرب الکلامیة الموسمیة، التی قد یرکن إلیها الطرفان مع نشوب أیة توترات بینهما لأی سبب، إن بغرض الاستهلاک المحلی أو بقصد توجیه رسائل ذات مغزى معین لمحیطهم الإقلیمی وفضائهم الدولی" (12).
الثانی: یرى أن "العلاقات الترکیة –الإسرائیلیة والتی کانت وحتى وقت قریب علاقة تحالفیة توترت فأشارت لاحتمالات التردی والتغییر الجوهری الذی حدث فی المنطقة، فالأمن القومی الإسرائیلی أصبح یشعر بخطر کبیر من بعض دول المحیط –إیران- التی کانت تشکل حلیفا ونصیرا، وتحولت إلى عدو أول وترکیا التی غدت حلیفا للأعداء"(13)
ویؤکد ذلک تصریحات وزیر الدولة الإسرائیلی بنیامین زئیف بیغن، الذی مثل رئیس وزراء إسرائیل فی مؤتمر التغیّر المناخی فی المتوسط، لصحیفة "تانیا" (الیونانیة) أثناء زیارته لأثینا حیث قال معقبا على سؤال عن تدهور العلاقات الترکیة الإسرائیلیة: "الأمر مثیر للقلق، لأنّ حزب السید (رئیس الوزراء الترکی رجب طیب) أردوغان واضح فی مواقفه، وأنّ حقیقة أنه یعمل على التحالف مع إیران لیس فی حاجة إلى توضیح، وأنّ هذا التحالف الجدید بین ترکیا وإیران وسوریة ولبنان هو أمر مُقلِق بالنسبة لنا ولأوروبا. فقد صوّتت ترکیا مؤخّراً فی مجلس الأمن ضد فرض عقوبات على طهران بسبب برنامجها النووی. ولذا فإنّ هذا الحلف ینطوی على أخطار جدیدة بالنسبة للمنطقة بأسرها"(14)
-الموقف العربی والفلسطینی
بعیدا عن الموقف الشعبی العربی الذی تأثر عاطفیا بخطابات رئیس الوزراء الترکی أردوغان وتصریحاته المؤیدة للشعب الفلسطینی، فإن قراءة المثقفین والأنظمة العربیة والفلسطینیین (سلطة رام الله وغزة) تراوحت بین الترحیب هروبا إلى الدور الأکثر اعتدالا من الدور الإیرانی المتشدد، وبین تردد أو تشکیک فى أهداف ذلک الدور سواء بالتصریح عن ذلک علانیة أو الترحیب الفاتر به.
لقد کان موقف النظم الرسمیة العربیة فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة بصفة خاصة بین خیارین، وهما دور إیرانی قوی ومتصاعد وممتد فى المنطقة، مقابل ضعف عربی منکمش ودور ترکی متصاعد ویسعى لاحتلال أکبر قدر من المساحات الشاغرة -التی ترکتها القوى العربیة التقلیدیة بعد انکماشها خلال العقد الأخیر- بدلا من أن تحتلها إیران، مع الاخذ فى الاعتبار أن هذا الدور الترکی -فی نظر الأنظمة- یصب داخلیا فی مصلحة القوى السیاسیة الإسلامیة التى ترى أن العدالة والتنمیة هو أحد صور التعبیر عن تلک القوى.
فی النهایة اختارت الأنظمة الدور الترکی فی ظل العدالة والتنمیة، حیث کان نتاج حکم الأنظمة السابقة على السلطة أنها تصب فی النهایة فی اتجاه توطید العلاقات الترکیة الإسرائیلیة على حساب علاقاتها مع العالم العربی؛ لذا کان منحى العلاقات العربیة –الترکیة خاصة على المسارین السوری والمصری فی أفضل حالاته فی ظل حکومتی الرفاه والعدالة والتنمیة.
دعم من ذلک التأکید الرسمی الترکی على أن "التحرک الترکی فی غزة تحدیداً، لا یمکن له أن یتجاوز، لعوامل مختلفة، الدور المصری. وقد اعترفت أنقرة بذلک قائلة على لسان أحمد داود أوغلو: "إن الدور الترکی یمکن له أن یکون مساعداً أو مکملاً، لکنه لن یحل محل الدور المصری" (15)
هناک إذن تفسیرات عربیة عدة للدور الترکی فی القضیة الفلسطینیة، ما بین متخوف من عثمانیة جدیدة(16) تفرض سیطرة ترکیة على العالم العربی من المدخل الفلسطینی، حتى ترحیب کبیر (17) بهذا الدور بوصفه المنقذ من قمع إسرائیل للفلسطینیین فی ظل الضعف العربی، وبین هذا وذاک توجد المشکلة وهی "فی معرفة ماذا یرید العرب، إذ لا توجد دولة عربیة ولا کیان سیاسی عربی موحّد یعبّران عن إرادة عربیة أو حتى عن خلافات وصراع عربی واضح المعالم، وهنالک کمیة من الخیبات والإحباطات تشوّش الرؤیة العربیة لحقیقة الموقف الترکی أیضاً" (18).
استراتیجیات العدالة والتنمیة
فی ضوء المحددات والمواقف المذکورة فإن العدالة والتنمیة اتبع استراتیجیة تقوم على تعظیم الدور الشعبی –أیا کان توجهه- مقابل تقلیص دور المؤسسة العسکریة والمؤسسة القضائیة ووضعهما فی إطارهما المعقول دون إفراط أو تفریط وفی ضوء المحددات الرئیسیة الکلیة للسیاسة الترکیة، وهی الحفاظ على العلاقة الاستراتیجیة مع الغرب وحمایة المصالح العلیا الترکیة.
لذلک یمکن أن نرى ثمة اختلافا فی السیاسة الترکیة والموقف من القضیة الفلسطینیة خلال فترتی حکم العدالة والتنمیة، فکلما اقترب خطوة من توسیع صلاحیات الحکومة المدنیة مارس دورا أکبر فی القضیة الفلسطینیة، واتخذ مواقف أکثر تشددا حیال إسرائیل فی ضوء محددی السیاسة الترکیة المذکورین.
الأولى: سعی العدالة والتنمیة خلال فترة حکمه الأولى من نوفمبر 2002 وحتى نوفمبر 2007 على طمأنة الداخل والخارج حیث "أظهر قادة الحزب خطاباً تصالحیا، أعلنوا فیه احترامهم للنظام العلمانی، کما حرصوا على کسب ود قادة الجیش بالرغم من محاولات العسکر للحیلولة دون تمکین الحزب من المشارکة فی الانتخابات، وقد صرح أردوغان أنه "تخلى عن أفکاره السابقة" حین کان عضواً قیادیاً فی حزب الفضیلة بزعامة أربکان.أما عبد الله جول فلقد نفى "تهمة" أن یکون لدیه أجندة إسلامیة، وأعلن أنهم لیسوا إسلامیین وإنما أعضاء فی حزب محافظ وغایة ما یمکن أن یوصفوا به أنهم دیموقراطیون مسلمون مثل الدیموقراطیین المسیحیین فی أوروبا".(19)
کما عملت حکومة العدالة والتنمیة على توطید العلاقة بالغرب، وتعدیل القوانین والسیاسات بما یناسب تنفیذ شروط العضویة فى الاتحاد الأوروبی وهی فی الوقت ذاته السیاسات التى تحد من تدخل المؤسسة العسکریة فی الشئون السیاسیة، وهو ما مکن الحزب من تحقیق أکثر من هدف فى آن واحد، فبعث برسالة إلى الغرب وإلى القوى العلمانیة فى الداخل أن العدالة والتنمیة یرید الاتجاه غربا، وأن الحد من نفوذ المؤسسة العسکریة هو من أجل تنفیذ الشروط المطلوبة لتحقیق اقتراب أکبر من أوروبا، وهی السیاسات التی أیده فیها الأحزاب العلمانیة مثل حزب الشعب الجمهوری الذی بدأ تلک الاصلاحات التی تتوافق مع الشروط الأوروبیة عندما کان فی السلطة عام 2001 بإدخال تعدیلات على الدستور تحد من سیطرة العسکر على مجلس الأمن القومی وبعض الشئون السیاسیة الداخلیة.
الثانیة: هی مرحلة ما بعد انتخابات 2007 وتولی مهندس السیاسة الخارجیة الترکیة فی عهد العدالة والتنمیة ومنظرها البروفیسور أحمد داود أوغلو –مهمة وزارة الخارجیة بعد أن کان مستشارا سیاسیا لرئیس الوزراء -حیث سعت الحکومة لتعظیم الدور المدنی-الرأی العام –فى الاستجابة بقدر الإمکان لمطالبه مقابل تحجیم دور المؤسسة العسکریة، وبذلک جعلت الرأی العام مقابلا لنفوذ العسکر، وهی السیاسة التی اختبرتها الحکومة بالإعلان عن الکشف عن مؤامرة دبرها بعض العسکریین الأتراک السابقین والحالیین لاغتیال قیادات فى الحکومة، وقامت بتعدیلات فى الدستور لمحاکمة المتهمین أمام القضاء المدنی، وضغطت على المؤسسة العسکریة التى اضطر جنرالاتها إلى الإعلان عن أن المؤسسة العسکریة جزء من الدولة الترکیة ولیست أعلى منها.
وفی إطار هذه المرحلة سمحت الحکومة أو ترکت للقوى الشعبیة الفرصة للخروج إلى الشوارع بمئات الألوف تندیدا بالعدوان الإسرائیلی على غزة دیسمبر 2008-ینایر 2009 ثم قوافل المساعدات الإنسانیة والإغاثیة أثناء العدوان أو بعده، وصولا إلى قافلة أسطول الحریة التی قتل فیها تسعة من الأتراک على متن السفینة مرمرة، والتأکید على أن ترکیا لن تعطی ظهرها لغزة. وتحول الرأی العام الترکی أحیانا إلى عامل ضغط قوی ضد إسرائیل مقابل ضغط علمانی وعسکری فی الحفاظ على العلاقة معها فبدا الحزب فی منتصف الطریق بین الطرفین، لا یستجیب لضغوط قطع العلاقات، ولا یستمر فى العلاقات الدافئة مع إسرائیل کما کان فى العصور السابقة.
ساعد الحزب على ذلک الموقف المتجه للبرود فی العلاقة مع إسرائیل عملیة التقارب الإسرائیلی الیونانی-على جمیع المستویات خلال عامی 2009 -2010 والدور الإسرائیلی شمال العراق والعلاقة الخفیة بحزب العمال الکردستانی، وهما ما یمکن اعتباره تهدیدا للمصالح العلیا الترکیة ولأمنها القومی، ومن ثم فإن الدور الترکی المتزاید فی غزة تحدیدا یعد فی أحد أوجهه رد فعل ترکی على السیاسات الإسرائیلیة.
مستقبل الدور الترکی:
هناک سیناریوهات عدة مطروحة للدور الترکی المتوقع على المدى القریب (20) منها ما یرى أن ترکیا ستختار بین الاقتراب من محور الممانعة، أو الاقتراب من محور الاعتدال، أو الاستمرار فی لعب الدور الوسط. ویرى الباحث بعیدا عن تفاصیل السیناریوهات الثلاثة أن السیناریو الذی یختاره لمستقبل هذا الدور یقوم على عدد من الأمور التی تصب کلها فی سیناریو ممارسة دور الوسیط الناشط القائم على:
1- ممارسة دور فاعل فی قضایا الشرق الأوسط وعلى رأسها القضیة الفلسطینیة: وبما لا یمس محددات السیاسة الترکیة الرئیسیة، ولکنه یحتل مزیدا من المساحات فی ظل سیاسة لا ترید الصدام المباشر مع قوى إقلیمیة أو دولیة والحفاظ على حد أدنى من العلاقات معها.
فـ"ما تطمح إلیه هذه السیاسة هو تعزیز المصالح الترکیة الإقلیمیة، وتوفیر بدائل لسیاسة التوجه غربا السابقة. ویدرک الأتراک أن مثل هذه الطموحات لا یمکن تحقیقها بدون تبادل، سواء على مستوى المصالح السیاسیة أو الاقتصادیة أو الأمنیة"(21).
2- الاتجاه فی العلاقات مع إسرائیل نحو البرود: خاصة فى المجالات المدنیة مقابل تفعیل العلاقات مع الدول العربیة الرئیسیة فی المنطقة مثل السعودیة ومصر وسوریا وحتى إیران بما یخدم أهداف ومصالح ترکیا، وفی الوقت ذاته حتى تکون وسیطا موثوقا فیه بالنسبة لهذه الأطراف فیما یتعلق ببعض القضایا.
یقول إبرهیم کالین ـ مستشار رئیس الوزراء الترکی فی معهد الدراسات الترکیةـ أمام جمهور من المتابعین الأمریکیین: "فی 9 یونیو 2010 " خلال التصویت فی مجلس الأمن على العقوبات على إیران، صوّتت ترکیا ضد العقوبات لسبَبین: أولاً، لم نُرِد أن نُناقِض أنفسنا – کنّا قد توصّلنا إلى شیء ملموس وعملی ولا یزال مطروحاً على الطاولة. کی لا نُناقِض أنفسنا، کان علینا التصویت ضد العقوبات. ضعوا أنفسکم مکاننا. بعد هذا کلّه، لا یزال أصدقاؤنا الأمیرکیون والأوروبیون یطلبون منّا مواصلة التکلّم مع الإیرانیین. لو صوّتنا مع العقوبات وقضینا على الثقة بین ترکیا وإیران، ثم حاولنا التکلّم معهم من جدید... لما نجح الأمر"(22).
3- اتجاه ترکیا لمزید من العلاقات مع دول وقوى المواجهة والممانعة مع إسرائیل: وبخطاب سیاسی أعلى من المطروح من قوى الاعتدال فى المنطقة لیعطی لهذه القوى والدول ثقة فى التعامل مع ترکیا، مع إمکانیة طرح وإعادة طرح مبادرات للتسویة فى المنطقة على المسارات المختلفة فی وقت واحد أو فی أوقات مختلفة سواء السوری أو اللبنانی أو الفلسطینی کل بحسبه.
4- عدم الاصطدام بقوى أو محور الاعتدال فی المنطقة: بقیادة مصر والسعودیة لطمأنتهم بأن ترکیا لا ترید احتلال دورهم فی الوساطة أو ملف المصالحة الفلسطینیة، وهو ما أکد علیه وزیر الخارجیة الترکی أحمد داود أوغلو: "إن الدور الترکی یمکن له أن یکون مساعداً أو مکملاً، لکنه لن یحل محل الدور المصری" (23)
5- زیادة احتمالات مرونة الموقف الترکی الفعلی على أرض الواقع: -ولیس على مستوى التصریحات-فی ضوء تغیرات المصالح والاستراتیجیات فأی تراجع إسرائیلی عن تهدید مصالح ترکیا فی ملف الأکراد والعلاقة مع الیونان سیقابله تنازل ترکی، وکذا أی ضغوط غربیة أمریکیة على ترکیا فیما یخص هذا الملف الحساس سیدفع بترکیا نحو التراجع أیضا والعکس صحیح، ولکن أیا من الاحتمالین-التراجع أو التزاید- لن یعود بالدور الترکی إلى النقطة صفر، کما أن النشاط الزائد فی السیاسة الخارجیة وعلى وجه الخصوص فی الملف الفلسطینی لن یؤدی الى قطیعة تامة مع إسرائیل أو مع الغرب.
یلخص کاتب إسرائیلی ذلک قائلا "فی السنوات الأخیرة أصبحت علاقاتنا مع ترکیا أکثر توتّراً، وشهدت تحدِّیات کثیرة، ولکنّ الحدیث عن قطعها هو حدیث سابق جداً لأوانه. فحتى فی ذروة التوتّر، وأثناء التصریحات القاسیة من الجانب الترکی؛ عادت حکومة أردوغان وعرضت على إسرائیل قیام ترکیا بدور الوساطة بینها وسوریة، ولیس هذا من سلوک من یرید قطع العلاقات"(24)
..........
ثالثا: دور ترکی متزاید فی مصلحة من ؟
الحضور الترکی المتصاعد والملحوظ فی قضایا الشرق الأوسط وخاصة فی القضیة الفلسطینیة محل البحث والتی تیقن الأتراک أنها بوابتهم لهذا الدور أثار تساؤلات عدیدة تدور کلها حول سؤال رئیسی " لصالح من هذا الدور؟" أو بمعنى أدق ومع الاعتراف بأن کل دولة تسعى من وراء سیاساتها الخارجیة إلى تحقیق أهدافها، فإن التساؤل سیکون فی مصلحة من سیصب هذا الدور؟ فی مصلحة العرب وعلى وجه الخصوص الفلسطینیین أم فی مصلحة إسرائیل؟ أم لن یحدث تغیر یذکر فهو دور محاید تماما لا إلى هذا أو ذاک الطرف؟
هناک رؤى عدیدة فی الجانبین العربی والإسرائیلی حول هذا الدور:
1- على الجانب العربی: تباینت المواقف وتعددت فهناک من یرى أن ترکیا تسد مساحات العجز العربی عن دعم الفلسطینیین حتى على المستوى السیاسی ومستوى القول لا الفعل خاصة وأن خطاب أردوغان فی کل الأحداث التی تتعلق بالقضیة الفلسطینیة کان أعلى کثیرا لیس فقط من دول محور الاعتدال بل أحیانا من دول محسوبة على محور الممانعة (1)
کما یرى آخرون أن ترکیا تؤدی دورا مرسوما لها أمریکیا تتحرک فی إطاره حتى تجتذب ثقة الأطراف العربیة خاصة من محور الممانعة وتسحب البساط من تحت الدور الإیرانی الفاعل والمتغلغل خاصة وأن ما قامت به ترکیا من الناحیة الفعلیة لم یتعد التصریحات فهی ظاهرة کلامیة أکثر منها فعلیة(2).
2- على الجانب الإسرائیلی: یرى البعض أن ترکیا صدیق استراتیجی لن یتخلى عن علاقته بإسرائیل والغرب من أجل الفلسطینیین والعرب، وأن نشاطها الزائد یصب فی أحد أوجهه فی مصلحتها على المستوی الفعلی؛ لأنها تسحب البساط من تحت أقدام الدور الإیرانی، وتقدم بدیلا معتدلا لهذا الدور وموثوقا به لدى الشارع العربی الذی یئس من مواقف محور الاعتدال(3).
بینما یرى إسرائیلیون آخرون أن أحد السیناریوهات المتوقعة من هذا التصعید الترکی هو القطیعة فعلا مع إسرائیل وأن تتحول إلى محور ممانعة (4).
إذن هو دور مختلف علیه سواء فی الطرف الإسرائیلی أو العربی ولکن السیاسة والتحلیل السیاسی یهتم بالظواهر والأفعال لا النوایا.
ومن ثم فإن قراءة للموقف الترکی حتى على مستوى تصریحاته والأفعال التی قام بها یؤکد أن دورا ترکیا حتى لو کان محایدا – حقیقیا – سیکون فی مصلحة القضیة الفلسطینیة، فهی لیست حکرا على محور الاعتدال فی مجال التسویة ودعمها-على مستوى المقاومة- لیس حکرا على إیران أو محور الممانعة. والشعوب تنتظر من یقوم بشیء على المستوى الفعلی والذی غالبا یتطلب تضحیة حتى من الطرف الذی وقع علیه الغبن، وأن ترکیا من حقها –کما من حق أی دولة أخرى –أن تبحث عن دور وأن تحتل مساحات ترکها آخرون.
لا أحد ینکر أنه "منذ وصول حزب العدالة والتنمیة إلى الحکم فی ترکیا، حدث نوع من التوازن فى العلاقات الترکیة بین کل من "إسرائیل وفلسطین" بل إن منحنى العلاقات مال لصالح نوع أکبر من التعاطف مع القضیة الفلسطینیة، وتزایدت الزیارات الترکیة الرسمیة لفلسطین، وقد وجد حزب العدالة والتنمیة نفسه فى حالة شد کبیر باتجاهین متعاکسین فقاعدته الانتخابیة تمیل بشکل قوى إلى دعم القضایا العربیة والإسلامیة وخصوصا القضیة الفلسطینیة، بینما یشعر الحزب أن هناک عوامل أخرى تفرض علیه استمرار علاقته بإسرائیل مثل المؤسسة العسکریة الترکیة، ورغبة الحزب فى علاقات متمیزة مع أوربا ودخول الاتحاد الأوربی وعدم إغضاب الولایات المتحدة، ثم إن التکوین العلمانی الصارم والنفوذ الإعلامی القوى للتیارات الأخرى تعوق تبنى سیاسات إسلامیة أکثر وضوحا وانفتاحا."(5)
کما أن العلاقات الترکیة الإسرائیلیة تمر بأسوأ حالاتها لأسباب عدیدة؛ بعضها یتعلق بسیاسات الفعل ورد الفعل بین الطرفین، ووصل الأمر إلى أن العقیدة الجدیدة للأمن الوطنی الترکی، تصف إسرائیل بـ"التهدید الرئیس، وأن عدم الاستقرار فی المنطقة سببه تصرّفات إسرائیل وسیاستها، والتی یمکن إلى تؤدِّی إلى سباق تسلّح فی المنطقة". وهذه السیاسات والتصرفات تشکِّل "تهدیدا أساسیاً لترکیا"(6).
کما أن ترکیا "اشترطت عدم مشارکة المعلومات المُستقاة من منظومة الدفاع الصاروخی التابعة لحلف شمال الأطلسی "ناتو" مع الجانب الإسرائیلی"(7)
ووفقا لصحیفة "صباح" الترکیة فإنّ "الاستخبارات الترکیة قطعت علاقاتها مع "موساد" (جهاز الاستخبارات الخارجیة) الإسرائیلی، نتیجة التوتر فی العلاقات بین الدولتین. وأشارت الصحیفة إلى أنّ جهازیْ الاستخبارات اللذین عملا فی الماضی معاً بشکل وثیق؛ توقّفا عن تبادل المعلومات الاستخباریة وتنفیذ العملیات المشترکة"(8).
البعض رضی أن تلعب إیران دورا وتحتل مساحات الفراغ التى ترکتها بعض الأنظمة التى انکمشت بدعوى أن إیران تدعم المقاومة، رغم أن إیران فی مناطق أخرى عربیة سبب رئیس فی وأد المقاومة وهی فى الحالتین تبحث عن مصلحتها.
ومن حق ترکیا أیضا أن تبحث عن مصلحتها، ویکون الأمر أکثر إیجابیة إن کان ذلک الدور یعطی بصیصا من أمل للشعب الفلسطینی الذی افتقد أیادی تمتد بالمعونة إلیه وألسنة تدافع عنه.
خاتمة الدراسة
لا یختلف أحد على أن هناک نشاطا إقلیمیا ترکیا متزایدا ومتصاعدا بدأ مع حکومة العدالة والتنمیة نوفمبر 2002 وأصبح أکثر فاعلیة فی الأعوام التالیة وأکثر نشاطا خلال عامی 2009 و2010.
هناک ظروف وعوامل ساعدت على هذا الدور والنشاط المتصاعد والفاعل والبدیل لأدوار أخرى سلبیة کانت أم إیجابیة، ولکن لا أحد یستطیع أن ینکر أن دورا ما کان لمهندس السیاسة الخارجیة الترکیة فى الألفیة الثالثة أحمد داود أوغلو الذی أطلق علیه البعض کیسنجر السیاسة الترکیة، وأطلق علیه أستاذنا الدکتور إبراهیم البیومی غانم، أحمد داود أوغلو السیاسة الخارجیة الترکیة، مؤکدا أن مقارنته بکسینجر ظلم له لأسباب کثیرة لن نذکرها.
لکن أهم ما قام به أوغلو أنه استطاع أن یقرأ جیدا دور ترکیا بعد الحرب الباردة وفی ظل التطورات السریعة والمتلاحقة منذ أحداث سبتمبر 2001 وقراءته الجیدة لموقع الولایات المتحدة الفعلی والمتوقع على الساحة الدولیة.
کل ذلک جعل أوغلو یقدم رؤیة متکاملة نظریا استطاع أن یضعها موضع التطبیق سواء عندما کان مستشارا لرئیس الوزراء أو عندما تولى حقیبة الخارجیة رسمیا فى 2009.
أیا کان الموقف العربی من الدور الترکی فهو دور یثیر الإعجاب من دولة استطاعت أن تحافظ على مکانتها فی العلاقات الدولیة، رغم انتفاء جزء کبیر من سبب تلک المکانة فی الحرب الباردة بعد سقوط الاتحاد السوفییتی السابق، بل إنها استطاعت أن تطرح نفسها من دولة هامشیة یریدها البعض کذلک إلى دولة محوریة ومرکزیة فى منطقتها، واستفادت جیدا من موقعها الاستراتیجی الذی یربط الشرق کله بالغرب.
أیضا فإن ترکیا التی قالت: "نعم" فى الداخل لتعدیلات الدستور، وأصبح للرأی العام أهمیته الکبیرة فی اتخاذ القرار داخلیا وخارجیا، استطاعت أن تقول: "لا". وأن تقنع الآخرین أنها تملک مستوى عال من الاستقلالیة فى اتخاذ قرارها بما یخدم مصالحها القومیة العلیا، ولا یؤثر فی علاقاتها بالآخرین فی إطار استراتیجیة أوغلو الجدیدة (صفر مشاکل مع الجیران).
رغم ما کُتب عن تحولات الدور الترکی عامة وموقفها ومستقبل دورها فى القضیة الفلسطینیة خاصة، فإن ذلک المجال یحتاج المزید من الدراسة والتحلیل سواء کان على هیئة مؤتمرات أو دراسات أو حلقات نقاش، فترکیا تقدم تجربة جدیدة ونموذجا یستحق الدراسة والاستفادة.
...........
*ورقة مقدمة للمؤتمر العربی- الترکی للعلوم الاجتماعیة ATCOSS-2010 -"الثقافة ودراسات الشرق الأوسط"-10-12 دیسمبر، 2010. أنقرة، ترکیا
هوامش الدراسة
هوامش الفصل الأول
(1) القضیة الفلسطینیة مداخل للفهم –رجب الباسل-دار البشیر للنشر-2010 –طبعة أولى
(2) السلطان عبد الحمید الثانی –مذکراتی السیاسیة -1891-1908-الطبعة الثانیة
(3) أیمن إبراهیم الدسوقی –السلوک الترکی تجاه القضایا العربیة 1990-1997 –رسالة ماجستیر غیر منشورة –کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة –جامعة القاهرة.
(4) (السیاسة الخارجیة الترکیة تجاه إسرائیل (1996-2009) إعداد/أحمد ممدوح-الناشر المرکز الدیمقراطی العربی –مصر)
(5) أیمن إبراهیم الدسوقی-مصدر سابق
(6) أیمن إبراهیم الدسوقی-مصدر سابق
(7) أحمد ممدوح –مصدر سابق ذکره
(8) أحمد ممدوح مصدر سابق
(9) د.باکینام الشرقاوی-الشرق الأوسط الکبیر-الرؤى الترکیة والإیرانیة –ورقة أولیة –المؤتمر السنوی التاسع عشر للبحوث السیاسیة "مشروع الشرق الأوسط الکبیر-26-29 دیسمبر 2005.
(10) کمال حبیب- الإسلامیون الأتراک.. من الهامش إلى المرکز--مرکز الجزیرة للدراسات
(11) مجلّة فورین بولیسی –والنص المترجم عن جریدة الأخبار اللبنانیة 4/6/2010
(12)د.طلال عتریسی-حلقة نقاشیة عن القضیة الفلسطینیة عام 2010-مرکز الزیتونة للدراسات والاستشارات-ینایر 2010
(13) د.إبراهیم البیومی غانم- "أحمد داود أوغلو" ولیس "کیسنجر ترکیا"-
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite
?c=ArticleA_C&cid=1239888695031&pagename=Zone-Arabic-
News/NWALayout#ixzz15kNBj6MZ
(14) تقریر عن زیارات حماس بعد فوزها بالانتخابات- مرکز الزیتونة للدراسات والاستشارات –لبنان--ابریل 2006
(15) التقدیر الاستراتیجی (25): أسطول الحریة وکسر الحصار: التداعیات والاحتمالات
- أغسطس 2010-مرکز الزیتونة للدراسات والاستشارات-بیروت-لبنان
(16)ترکیا والقضیة الفلسطینیة-تقریر معلومات صادر عن مرکز الزیتونة للدراسات والاستشارات-لبنان -2010
(17) الترجمة عن موقع الجزیرة نت، 2/6/2010
(18) موقع المرکز الفلسطینیی للاعلام
http://www.palestine-info.info/Ar/default.aspx?xyz=
U6Qq7k+cOd87MDI46m9rUxJEpMO+i1s7hnxvU6W5gGILT7R
i04pL8HK25DvQLkswEkhIZP0o158K6BbtYKCxC0VIdRggorCxU6Q
Di9Wg7bnsSbCCHkwpl4P4EgBytJ9+9PNRMfgKCeQ=
هوامش الفصل الثانی
(1) صحیفة الحیاة اللندنیة -4 نوفمبر 2010
(2)حسنی محلی- الموقف الترکی من الحرب على غزة وآفاق دور إستراتیجی جدید- مرکز الجزیرة للدراسات -
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/
C8820C97-B26B-4B64-B960-1630E101E5EF.htm
(3)ترکیا والولایات المتحدة.. مصالح إستراتیجیة متبادلة- خلیل العنانی-مرکز الجزیرة للدراسات
(4)ترکیا.. حصان طروادة فی سیاسة أوباما؟-نبیل شبیب-موقع اسلام اون لاین نت http://www.islamonline.net/servlet/Satellite
?c=ArticleA_C&cid=1237705954218&pagename
=Zone-Arabic-News/NWALayout#ixzz15kT5rlFg
(5)تحلیل النشاط الزائد للسیاسة الخارجیة الترکیة –زیا میرال وجوناثان س.باریس-اکتوبر 2010-ترجمة مرکز الزیتونة للدراسات والاستشارات.
(6) التآکل فی العلاقات الترکیة الإسرائیلیة واستبعاد التغییر الاستراتیجی-
سلام الربضی-جریدة العرب اللندنیة –16-10-2010
http://alarab.co.uk/index.asp?fname=20101010
-16831.htm&dismode=x&ts=16-10-2010 10:02:59
(7) ترکیا تحت حکم «حزب العدالة والتنمیة»: لا هی قوة أوروبیة ولا قوة إقلیمیة -سونر چاغاپتای - حریت دیلی نیوز -14/ 10/ 2010-نقلا عن Rivista Italiana di Geopolitica
(8) موقع "ناشیونال براید" الاخباری الیونانی- nationalpride.wordpress.com
-تقریر بعنوان: إعـادة ترتیبات جیوبـولیتیکیة-21 اکتوبر 2010-ترجمة فریق سبوت لایت أون بالستین-أوروبا-
(9)للمزید حول هذه التفسیرات انظر -قراءة إسرائیلیة للأزمة مع الدولة الترکیة-ماجد کیالی- http://www.aljazeera.net/NR/
exeres/3E4BE7E4-B4E3-4712-B984-270598553D26.htm
(10) "علاقات افتراضیة: السیاسة الترکیة الداخلیة وتأثیرها على تشدّد سیاستها الخارجیة"- إعـداد الباحثان الإسرائیلیان ألون لیفین ویوفال بستان- ترجمة "سبوت لایت أون بالیستاین"، أوروبـا-یونیو 2010
(11) سلام الریضی –مصدر سابق ذکره
(12) حدود التصعید بین ترکیا وإسرائیل- بشیر عبد الفتاح-موقع الجزیر نت
http://www.aljazeera.net/
NR/exeres/83E4C095-6E86-401A-AAC7-BB26F98DD56B.htm
(13) حلمی موسى-حلقة نقاش القضیة الفلسطینیة عام 2010-مرکز الزیتزنة للدراسات والاستشارات-مصدر سابق
(14) صحیفة "تانیا" الیومیة الیونانیة-25-10-2010-ترجمة فریق سبوت لایت اون فلسطین -أوروبا
(15) التقدیر الاستراتیجی (22): الدور الترکی فی المنطقة وتأثیره على القضیة الفلسطینیة-مرکز الزیتونة للدراسات والاستشارات –مایو 2010-بیروت-لبنان
(16) ترکیا.. إمبریالیة ناعمة بلبوس عثمانی-غازی دحمان-الجزیرة نت
http://www.aljazeera.net
/NR/exeres/85CFB8C4-6462-47BE-9D16-1A836C32F47B.htm
و"عن إیران وترکیا وتحولاتهما الإمبراطوریة- یاسین الحاج صالح-جریدة الحیاة اللندنیة
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/202461
(17) ترکیا وإسرائیل ترسیخ القطیعة - خورشید دلی-صحیفة الوطن السوریة -
http://www.alwatan.sy/dindex.php?idn=89956
(18) العرب وإسرائیل وترکیا- د.عزمی بشارة- الاخبار اللبنانیة
-http://www.al-akhbar.com/ar/node/195729
(19) د.باکینام الشرقاوی- 1. إیران وترکیا ما بعد 11 سبتمبر- حولیة "امتى فى العالم 2001-2002 )- مرکز الحضارة للدراسات السیاسیة-
(20)لمزید من التوسع حول تلک السیناریوهات: التقدیر الاستراتیجی (22): الدور الترکی فی المنطقة وتأثیره على القضیة الفلسطینیة- مرکز الزیتونة للدراسات والاستشارات -لبنان-مایو 2010-
(21) السیاسة الخارجیة الترکیة وأسئلة ما بعد الحرب على غزة- بشیر نافع
- مرکز الجزیرة للدراسات
(22) نص المحاضرة کاملا فی صحیفة النهار اللبنانیة،بیروت 20/7/2010
(23) التقدیر الاستراتیجی (22):-مصدر سبق ذکره
(24) إلی أفیدار- صحیفة "یدیعوت أحرونوت"-21-10-2010-ترجمة فریق سبوت لایت أون فلسطین-أوروبا
هوامش الفصل الثالث
(1)انظر فی ذلک ندوة ترکیا وإسرائیل بعد الاعتداء على أسطول الحریة –التی نظمها مرکز دراسات الشرق الاوسط-بالعاصمة ااردنیة عمان یوم 5یونیو 2010
وکذلک دراسة: العلاقات الترکیة – الإسرائیلیة: بین التحالف الاستراتیجی والقطیعة*- العمید الرکن المتقاعد نزار عبد القادر- مجلة الدفاع الوطنی اللبنانیة - - العدد 74-نوفمبر 2010
ومقال العلاقات الترکیة الإسرائیلیة.. المواقف والمصالح-محجوب الزویری-موقع الجزیرة نت
http://www.aljazeera.net
/NR/exeres/25A689B6-7738-453D-9421-5170F4EEAA0D.htm
(2) منها دراسة ترکـــــیا وقضـایــا السیاســة الخارجیـة عم 1999 نقلا عن محمد نور الدین، ترکیا فی الزمن المتحور
و ملیحة بنلی التونیشیک فی دراسة کیف ینظر العرب الى ترکیا نقلا عن
Bahir Salih “Türkiye ABD’nin Yeni Truva Ati’’
(Turkey is the US New Trojan Horse)
Al-Quds Al-Arabi, 1 February 2010, translated
in Radikal newspaper, 2 February 2010.
(3) تحلیل النشاط الزائد للسیاسة الترکیة –مصدر سابق وتصریحات الرئیس الإسرائیلی شیمون بیریز بعد حادثة اسطول الحریة والتی اکد فیها حرص اسرئایل على علاقات الصداقةمع ترکیا– صحیفة الخلیج-الاماراتیة - 27/9/2010
(4) "علاقات افتراضیة: السیاسة الترکیة الداخلیة وتأثیرها على تشدّد سیاستها الخارجیة"- خدمة "سبوت لایت أون بالیستیایْن"-مصدر سابق
(5) ( السیاسة الخارجیة الترکیة تجاه إسرائیل (1996-2009) إعداد/أحمد ممدوح-مصدر سابق
(6) صحیفة "سیمیرینی" الیومیة القبرصیة -2 -11-2010-ترجمة فریق سبوت لایت أون فلسطین –أوروبا
(7) صحیفة "هآرتس" الإسرائیلیة-26-10-2010-ترجمة فریق سبوت لایت أون فلسطین –أوروبا
(8) صحیفة "هآرتس" الإسرائیلیة-مصدر سابق
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS