الحل الوحید لنزاعنا مع الصهیونیة: توازن قوى وتکافؤ مصالح

حتى متى سیبقى نزاعنا مع الحرکة الصهیونیة یدور فی الدائرة المفرغة نفسها؟ وحتى متى یبقى صراعنا مع الغرب یخضع لعدم التکافؤ وإستغلال الثروات العربیة والسیطرة على ألأموال العربیة، إما لإعطائها هبة لإسرائیل لتمویل آلتها الحربیة وأعمالها العدوانیة ضد العرب، وهذا ما یحدث على مدى ستة عقود، او لتمویل الالة الحربیة الغربیة لإستخدامها ضد العرب أنفسهم، بتحریض صهیونی کما حدث فی الحرب على العراق عام 2003. او ما حدث فی الماضی البعید (حرب السویس او العدوان الثلاثی 1956) ضد مصر!
بألأمس فقط شاهدنا حلقة جدیدة من هذه الدائرة الخبیثة إیّاها، عندما قدم رئیس الولایات المتحدة ورئیس حکومة إسرائیل مسرحیتهما المعهودة: خطاب أوباما موجّه للعرب لإرضائهم والضحک على لحاهم، ثم لقاء اوباما مع نتنیاهو أمام العدسات، ثم خطاب اوباما امام اللوبی الصهیونی (الإیباک) ثم ظهور نتنیاهو امام الکونغرس وهکذا دوالیک والعامل المشترک بینها جمیعا: تجاهل الحقوق العربیة. فهل من جدید؟.
لم یکن هناک أی جدید فی خطاب الرئیس اوباما الذی سجّل موقف الولایات المتحدة التقلیدی من النزاع بین الحرکة الصهیونیة والحرکة الوطنیة الفلسطینیة بضرورة قیام دولة فلسطینیة على حدود ما قبل 1967، مع تبادل أراض، ثم تجاهل (أو تراجع عن) هذا الموقف أمام نتنیاهو ولم یذکرحدود ما قبل 1967. ونتنیاهو الذی غمز من قناة اوباما وحاول إعطاءه درسا فی 'التاریخ الیهودی'، وجه رسائل عدیدة منها مکشوفة ومنها مبطّنة یؤنب فیها رئیس الولایات المتحدة والعرب والفلسطینیین، مکررا نفس ألأضالیل والأکاذیب السافرة والحجج الصهیونیة التقلیدیة الواهیة التی ساقها هذا الأخیر امام عدسات المراسلین ولا علاقة لها بجوهر النزاع. وهذه تکررها جمیع الحکومات إلإسرائیلیة منذ قیام إسرائیل.
إن الموقف ألأمریکی والموقف الإسرائیلی یجسّدان حقیقة تاریخیة ثابتة رافقت نزاعنا مع الحرکة الصهیونیة وصراعنا مع الغرب الداعم لها، وکانت سبب هزائمنا ونکباتنا ونکساتنا، وهی تتمثل فی وجود خلل مستمر فی میزان القوى بیننا وبین الحرکة الصهیونیة، وعدم تکافؤ فی علاقاتنا ومصالحنا مع الغرب، وهذه لا تقوم على مبدأ التبادلیة. بل ان الغرب یحقق مصالحه دون مراعاة لمصالحنا بل على حسابها. بل یفضّل 'مصالحه' مع إسرائیل على مصالحه معنا من جهة، ویضّحی بمصالحه القومیة من أجل إرضاء إسرائیل من جهة اخرى. ویمکن وضع المعادلة التی تمیّز هذه العلاقات کما یلی:
حرکة صهیونیة نافذة مدعومة من الغرب (الولایات المتحدة اساسا) تصادر القرار الأمریکی. وحرکة وطنیة فلسطینیة مستضعفة وشعب فلسطینی أعزل، وعالم عربی منقسم على نفسه یفرّط بمصالحه إرضاء لامریکا.
إن هذه المعادلة لم تتغیر منذ بدایة صراعنا مع الحرکة الصهیونیة، وطالما هی قائمة کما هی، فلا جدوى من کل المحاولات للتغلب على الحرکة الصهیونیة وإجبار الغرب على إلإعتراف بمصالحنا، وإرغامه على الأختیار بین إسرائیل وبین مصالحه فی العالم العربی المترامی الأطراف الذی یتمتع بمصادر طاقة ومزایا إستراتیجیة. لا حدود لها.
ما العمل ؟
هل یمکن قلب هذه المعادلة لصالح العرب؟ الجواب: نعم. متى؟ عندما یتحقق الأمل فی 'ربیع الثروات العربیة'. عندما تفرز هذه الثروات أنظــــمة تؤمن بــــوحدة المصیر. عندما تضع هذه ألأنظمة المنشودة أستراتیجیة موحّدة، وعندما تفک إرتباطها بالغرب إلإستعماری وعندما یسخر العالم العربی ثرواته فی تنفیذ هذه الإستراتیجیة.
هذا ما یجب أن ترکّز علیه جمیع الکتابات والتحلیلات ویجب أن ینحصر همنا فی إنجاح الثورات العربیة والعمل على عدم العودة إلى ألإرتهان لإسرائیل وأمریکا. وعلى الشعب الفلسطینی تعزیز وحدته الوطنیة ومساندة الثروات العربیة.
لنتطلع الى المستقبل وننسى الماضی، ولننس تصریحات اوباما وتهدیدات نتنیاهو، ولننس إستعباد اللوبی الصهیونی لاعظم دولة فی العالم، وهنیئا لهذه الدولة العظمى التی یبیع أعضاء مجلسیها التشریعین (الکونغرس) أنفسهم الى اللوبی الصهیونی مفضلین مصالح إسرائیل عن مصالح بلدهم، ولیصفق هؤلاء الأعضاء لـ'لاءات' نتنیاهو ولیقفوا 'ساجدین' لملک أمریکا لیس 24 مرة وحسب بل مئات المرّات، وهذا لا یهمنا ولا یعنینا ولیس جدیدا علینا.
ولن نکترث لکل ما تفعله إسرائیل بأمریکا، من إبتزازها لبلایین الدولارات وهی لیست بحاجة إلیها، لإن إسرائیل هذه تعتبر من أغنى دول العالم، ولن نشفق على أمریکا لأن إسرائیل جرّتها الى الحرب على العراق، وما سببته لحلیفتها من خسائر بشریة ومادیة ومعنویة. ولتدمر إسرائسل المدمرة ألامریکیة 'لیبرتی'، ولتقتل مئات البحّارة ألأمریکیین من دون محاسبة، ولتتجسس إسرائیل على ولیّة نعمتها کما تشاء، ولتسرق إسرائیل اسرار أمریکا العسکریة وتبیعها ببلایین الدولارات. ولتفرض أمریکا قرارات الفیتو فی مجلس الأمن التی تدین إسرائیل، ولیبق النزاع العربی ـ الصهیونی نازفا ومستنزفا لثروات أمریکا وسمعتها وهیبتها فی العالم، وهنیئا لأمریکا هذا الکیان العنصری ووزیر خارجیته لیبرمان زعیم العنصریة. لنضع کل هذا وراءنا ولنتطلع إلى المستقبل.
إنه فیلم أمریکی ـ صهیونی طویل لن یتوقف إلا إذا قلبنا المعادلة راسا على عقب. أی إذا غیّرنا میزان القوى لصالح العرب، واذا حوّلنا 'لاءات' نتنیاهو الى ' نعمات' عربیة: نعم لعودة اللاجئین نعم لإزالة الإحتلال، نعم لإقامة دولة فلسطینیة على حدود ما قبل 1967 وعاصمتها القدس، نعم لإزالة المستوطنات نعم لعدم الإعتراف بیهودیة إسرائیل..الخ
کیف؟
إن للشعوب العربیة على إمتداد الوطن العربی مصالح مشترکة فی إقامة مجتمعات دیموقراطیة تکفل الحریات الشخصیة والجماعیة لینطلق الإنسان العربی الى المساهمة فی بناء مجتمعه المنشود. ما المطلوب من الأنظمة العربیة الجدیدة أن تفعل عندما تقوم؟
أولا ـ وضع إستراتیجیة عمل سیاسی ودبلوماسی تستند الى ثوابت النزاع العربی ـ الصهیونی وایضا ثوابت النضال الفلسطینی. ویجب التوضیح ان ألإصلاح والتغییرات السیاسیة مرتبطة إرتباطا عضویا باقضایا العربیة، ولا سیما قضیة الوحدة الوطنیة وقضیة فلسطین.
ثانیا - وضع إستراتیجیة إقتصادیة موّحدة قوامها إقامة سوق عربیة مشترکة وتطویر القطاعات الزراعیة والصناعیة فی العالم العربی والحرص على تطویر المعلوماتیة والتطبیق التکنلوجی للإکتشافات العلمیة.
ثالثا ـ رد الإعتبار والهیبة الى الجامعة العربیة لجعلها تمثل أمانی الشعوب ولیس هرطقات ألأنظمة. والجامعة العربیة المسلّحة بـ'أنیاب وبراثن' هی الکفیلة بتوحید کلمة العرب وقطع الطریق على کل محاولة للإستفراد بکل دولة عربیة على حدة. وهی الکفیلة بوأد جمیع مشاریع التقسیم والتفتیت.. وهی الکفیلة بتأمین العمل العربی الجماعی.
رابعا ـ تفعیل إتفاقات دفاع مشترک بین جمیع الدول العربیة لحمایة الوجود العربی من المحیط إلى الخلیج الفارسی والتخلّص من القواعد العسکریة التی تستخدم فی شن الحروب على العرب.
خامسا ـ إنتهاج مبدأ التبادلیة او التعامل بالمثل مع دول العالم بحسب مواقفها من القضایا العربیة. فالنظام العربی الموحّد وذو الرؤیا المشترکة یملک من الإمکانات ومصادر الطاقة والثورة والمواقع الإستراتیحیة الکثیر الکثیر وهذه تشکل أوراق ضغط یمکن إستخدامها ضد کل دولة تتآمر على الحقوق العربیة، وإرغام هذه الدولة على إلإختیار بین مصالحها معنا وبین دعمها للعدوانیة والعنصریة الصهیونیة. وهذا کله یتطلّب إحکام السیطرة العربیة على مصادر الطاقة وعدم السماح بایة هیمنة خارجیة علیها، وضمان تدفق النفط العربی الى اسواق العالم باسعار مدروسة تقوم على المنفعة المتبادلة دون السماح لشرکات النفط بالتحکّم بها.
وهکذا یمکننا قلب المعادلة الحالیة وتصحیح الخلل فی علاقاتنا مع دول العالم على النحو التالی :
عالم عربی موّحد ومتماسک یستخدم أوراقه الضاغطة .. تخییر کل دولة فی العالم بین دعمها لإسرائیل وبین الحرص مصالحها + حرکة صهیونیة (إسرائیل) مکشوفة الظهر وعاجزة عن تسخیرمصالح الاخرین لتحقیق أهدافها العدوانیة التوسعیة. قد یبدو تحقیق هذه المعادلة فی غایة الصعوبة فی المدى القصیر، ولکنه حتمی فی المدى البعید إذا اردنا تصحیح الخلل فی میزان القوى بین العرب وبین إسرائیل وحلفائها.
ن/25