محاولة لفهم الزیارة السعودیة لإسرائیل
وکالة القدس للانباء(قدسنا)ولاستکمال دلالة المشهد وقف بینهم الجنرال السابق عوفر بارلیف أحد صقور حزب العمل، الذى قاد وحدة «سییرت متکال» المسئولة عن عملیات الاغتیالات فى الدول العربیة، وکان یتباهى فى حملته الانتخابیة بأنه قتل العدد الأکبر من العرب أثناء خدمته العسکریة.
وممن التقاهم الرجل فى القدس المدیر العام لوزارة الخارجیة دورى جولد، مؤلف کتاب «مملکة الکراهیة»، الذى کرسه لإثبات الإدعاء بأن السعودیة دعمت الإرهاب فى العالم.
عدد صحیفة «هاآرتس» الصادر فى ٢٢/٧ ذکر أن السید عشقى (٧٢ سنة)، اصطحب معه وفدا غیر رسمى ضم عددا من الأکادیمیین ورجال الأعمال. وأشارت إلى أنه لا یشغل أى منصب رسمى، إلا أن زیارته لم تکن لتتم بغیر موافقة السلطات السعودیة.
لم یظهر أعضاء الوفد فى الصور التى نشرت، لکننا فهمنا أن رئیسه الذى استأثر بالأضواء عقد عدة لقاءات مع المسئولین الإسرائیلیین وأعضاء البرلمان (الکنیست)، ولم تتم اللقاءات فى مکتب حکومى، ولکنها عقدت فى فندق الملک داود الذى أقام فیه عشقى ومن معه.
وإلى جانب الزیارة التى تمت للقدس فإن الرجل زار رام الله والتقى الرئیس محمود عباس وبعض الشخصیات الفلسطینیة.
وفهمنا من الکلام المنشور أن اللواء عشقى سبق له أن زار رام الله عدة مرات، وأنه التقى مسئولین إسرائیلیین أثناء تلک الزیارات، وبسبب زیارته تلک أصبح یوصف بأنه عراب التطبیع بین إسرائیل والمملکة السعودیة، رغم أنه یقدم نفسه باعتباره مدیرا لمرکز للأبحاث ومفکرا وباحثا استراتیجیا، ولم یعد یذکر خلفیته العسکریة ودوره کرجل مخابرات سابق، ترک الخدمة لکنه لم ینفصل عن السلطة.
(2)
إذا کان إعلان الزیارة قد صدمنا، فإن تبریرها أدهشنا. لیس فقط لأنه تحدث عن أن العملیة مجرد مبادرة ذاتیه، وأن المرکز الذى تبناها مستقل عن الحکومة، ولکن لأنه حاول إقناعنا بأنها من أجل فلسطین. إذ فى حدیثه لوسائل الإعلام السعودیة ذکر أنه لم یزر إسرائیل ولکنه زار فلسطین، والقدس التى یعتبرها الإسرائیلیون عاصمة لدولتهم هى فى نظره فلسطینیة وقضیة عربیة وإسلامیة.
أضاف أنه أثناء الزیارة اجتمع مع أسر الشهداء الفلسطینیین وحضر حفل زفاف ابن القیادى الفلسطینى مروان البرغوثى. وقد أم المصلین لصلاة المغرب فى بیت المقدس، کما تولى إمامتهم فى مسجد عمر بن الخطاب الذى یقع فى المهد ببیت لحم، وکان الهدف من کل ذلک هو نصرة القضیة الفلسطینیة.
فى تصریح آخر ذکر السید عشقى أن هدف الزیارة کان مناقشة مبادرة السلام العربیة، التى أطلقتها السعودیة وتبنتها قمة بیروت العربیة عام 2002. وعلق عضو الکنیست عیسوى فرجى على کلامه بقوله إنه اقترح علیه عقد لقاء موسع مع أعضاء البرلمان الذین یؤیدون المبادرة، مضیفا أن السعودیین أصبحوا راغبین فى الانفتاح علنا على إسرائیل لاستکمال مسیرة الرئیس الراحل أنور السادات.
الانفتاح العلنى الأخیر على إسرائیل لم یکن الأول فى بابه، کما أن السید عشقى لم یکن الوحید الذى تصدى له. إذ فى شهر ینایر من العام الماضى (2015) نشرت له صورة وهو یصافح ضاحکا مدیر عام وزارة الخارجیة دورى جولد، حین اشترکا معا فى ندوة عقدها مجلس العلاقات الخارجیة الأمریکیة فى واشنطن.
وفى وقت لاحق (مایو من العام ذاته) أجرت معه صحیفة «یدیعوت أحرونوت» حوارا وصف بأنه جرىء، ذکر فیه أن السعودیة مستعدة لفتح سفارة لها فى إسرائیل إذا ما قبلت المبادرة السعودیة/العربیة.
من ناحیة أخرى فإن الأمیر ترکى الفیصل مدیر المخابرات السابق کان قد سبقه بلقاء عقده مع مسئولین إسرائیلیین بالعاصمة البلجیکیة بروکسل فى 26 مایو عام 2014، أثناء مناظرة نظمتها منظمة «مارشال» الألمانیة لمناقشة القضیة الفلسطینیة ومکافحة الإرهاب. وکان ممثل إسرائیل فى المناظرة الرئیس السابق لشعبة الاستخبارات بالجیش الإسرائیلى عاموس یادلین.
وفى السادس من شهر مایو للعام الحالى استضاف معهد واشنطن مناظرة بین الأمیر ترکى الفصیل واللواء الإسرائیلى یعقوب عمیدور مستشار الأمن القومى الإسرائیلى السابق. وتحدث الاثنان عن ضرورة تواصل الحوار لتحقیق الأمن والسلام.
ونشرت صحیفة «هاآرتس» فى شهر فبرایر من العام الحالى صورة جمعت بین الأمیر السعودى ووزیر الدفاع الإسرائیلى السابق موشیه یعلون حین التقیا فى مؤتمر میونخ للأمن الذى انعقد فى المدینة الالمانیة.
(3)
حین یقوم بالاتصالات العلنیة مع إسرائیل اثنان من رموز السلطة فى المملکة، أحدهما أمیر ومدیر سابق للمخابرات وسفیر سابق فى واشنطن والثانى ضابط مخابرات ترقى فى مدارج السلطة حتى أصبح مستشار اللجنة الخاصة لمجلس الوزراء، فإننا لا نستطیع أن نعتبر تلک الاتصالات «مبادرات شخصیة»، وعند الحد الأدنى فإنها إن لم تکن برضى السلطة، فإن استمرارها یعنى أنها لم تعترض علیها.
الأمر الذى لا یقل أهمیة هو أن الإعلان عن تلک الاتصالات بدءا من عام 2014 یعنى أن الطریق ممهد ومفتوح بدرجة أو أخرى بین الریاض وتل أبیب، وأن ما تم إعلانه على الملأ کان استکمالا لما لم یعلن عنه فى السنوات السابقة. ولدینا من القرائن ما یؤید ذلک الاستنتاج. فالدراسات الإسرائیلیة سجلت محاولات اختراق القادة الصهاینة للعالم العربى منذ خمسینیات القرن الماضى، أى بعد سنوات قلیلة من تأسیس الدولة العبریة، وبوجه أخص بعد قیام الثورة المصریة فى 23 یولیو عام 1952، التى اعتبرت تحدیا لها آنذاک، خصوصا حین تبنت خطها القومى، واعتمدت قضیة فلسطین کقضیة مرکزیة.
وکنت قد أشرت فى مقام سابق إلى الدراسة التى أعدها العمید المتقاعد موشى فرجى وأصدرها مرکز دیان لأبحاث الشرق الأوسط وأفریقیا (عام 2003). إذ أفردت فصلا خاصا بالتحالف الإسرائیلى مع الأقلیات العرقیة والطائفیة فى العالم العربى، فى المقدمة منهم الأکراد والدروز، والموارنة والجنوبیین فى السودان.
والمعلومات المنشورة وثقت حرص إسرائیل على تفتیت العالم العربى المحیط، من خلال إذکاء أى فتنة واستثمار أى ثغرة. وإذا کان الباحث قد تحدث عن علاقة الإسرائیلیین بالأقلیات التى أشرت إلیها توا، فإنه لم یشر إلى الدور الإسرائیلى فى التصدى لثورة ظفار التى انطلقت فى الستینیات فى جنوب سلطنة عمان ضد السلطان سعید بن تیمور (والد السلطان قابوس الحالى).
وثمة شهود أحیاء أعرفهم عاصروا اشتراک الإسرائیلیین إلى جانب عناصر من جیش شاه إیران لمناصرة السلطان بن تیمور، فى مواجهة ثوار ظفار الذین کانوا مدعومین من القادة الشیوعیین فى الیمن الجنوبى. ما یهمنا فى استدعاء هذه الخلفیة أن إسرائیل کان لها دورها أیضا فى مناصرة الملکیة عقب ثورة الیمن فى بدایة الستینیات، وأن المخابرات السعودیة رتبت قیام الطائرات الإسرائیلیة بنقل أعداد من المرتزقة الأوروبیین للحرب إلى جانب الملکیین، خصوصا أثناء معرکة السبعین یوما التى حوصرت فیها العاصمة صنعاء.
وشهود تلک المرحلة من الخبراء المصریین والیمنیین لایزال بعضهم على قید الحیاة. ولدیهم الکثیر الذى یوثق وقائعها. کما أن للأستاذ محمد حسنین هیکل شهادة فى کتابه «المفاوضات السریة بین العرب وإسرائیل (ج 2) تحدث فیها عن التعاون الإسرائیلى السعودى أثناء حرب الیمن.
إذن تصور العاهل السعودى الراحل أن وجود جیش عبدالناصر فى الیمن یهدد عرشه أسوة بالمصیر الذى حل بعرش الملک فیصل الثانى بالعراق، الذى أسقطته ثورة 1958 لتقیم الجمهوریة بعد ذلک.
(4)
هل یمکن أن نشبه مساندة إسرائیل للسعودیة فى الصراع بین الملک فیصل وعبدالناصر، بإقدامها على الاصطفاف إلى جانب المملکة فى صراعها الحاصل ضد إیران؟ وهل یمکن أن نقابل بین دور مصر فى الیمن الذى أزعج الملک فیصل، بالدور الذى تقوم به إیران فى دعم الحوثیین بالیمن، الذى أغضب الریاض وازعجها؟ وألا یوجد شبه بین حرص إسرائیل على إضعاف عبدالناصر وإنهاکه فى الیمن وحرصها على هزیمة إیران وکسر نفوذها فى الساحة ذاتها؟ هذه الأسئلة خطرت لى حین حاولت البحث عن أسباب التواصل بین السعودیة وإسرائیل وإعلانه على الملأ فى الوقت الراهن.
ورغم أنى لا أستطیع أن أرد علیها بالإیجاب إلا أننى لا أستطیع أیضا أن اتجاهلها. فى الوقت ذاته فإننى أجد فى مسوغات التفسیر خیارات أخرى لها وجاهتها. من ذلک أن الأجواء العربیة باتت مهیأة لتواصل من ذلک القبیل، خصوصا بعد شیوع الادعاء بأن العدو لم یعد إسرائیل بل إیران، أو بأن الإرهاب صار الخطر الأکبر الذى یهدد الأمة، وهو ما تزامن مع الزعم بأن إسرائیل صارت طرفا فى معسکر الاعتدال السنى فى مواجهة إیران الشیعیة، إلى غیر ذلک من الأساطیر التى لوثت الإدراک العربى وبررت التصالح مع إسرائیل فى قول والتواطؤ معها فى قول آخر.
ثمة احتمال آخر ربما أسهم فى الانفتاح العلنى بین الریاض وتل أبیب، یتمثل فى الوضع المستجد لجزیرتى تیران وصنافیر بعد ضمهما إلى السعودیة. إذ إنها أصبحت بمقتضى ذلک طرفا فى اتفاقیة کامب دیفید. ذلک أن موقع الجزیرتین وتحکمهما فى مدخل البحر الأحمر یمثل أهمیة استراتیجیة بالغة الأهمیة لإسرائیل، الأمر الذى یضفى علیهما وضعا عسکریا خاصا، ربما اقتضى «تفاهما» مع السعودیین.
لا نستطیع أن نخدع أنفسنا بالحدیث عن أن الزیارة لها علاقة بالقضیة الفلسطینیة وإن تذرعت بها. فى الوقت ذاته لیس واضحا الآن أى الأسباب السابق ذکرها أوصل الأمور إلى ما وصلت إلیها. وربما کان لکل منها له دوره فیما جرى. غیر أننا لا نستطیع أن نغض الطرف عن التزامن بین الزیارة السعودیة وبین انعقاد القمة العربیة فى نواکشوط، الأمر الذى جسد المسافة بین الحلم الذى تبدد وبین الواقع المزرى الذى صرنا إلیه.
فهمی هویدی
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS