الشرق الأوسط بین غموض ترامب ونظریة الرجل المجنون
وکالة القدس للانباء(قدسنا) «أحمد روح الله زاد»*:
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل الوصول إلی البیت الابیض کان یؤکد علی الترکیز علی القضایا الداخلیة والتجنب عن الملفات الخارجیة والتي من شأنها أن تزید من ازمات الولایات المحتدة الداخلیة. الرئیس الامریکي من خلال تصریحاته کشف عن الازمات التي یواجهها المجتمع الأمريكي وعكس مشكلاته العميقة، خاصة وانه أکد أن الفجوة تتسع بين الطبقات الاجتماعية الأمريكية والعدالة الاجتماعية تتزعزع، اضافة إلی تراجع معدلات النمو في الاقتصاد الأمريكي. اذن دولاند ترامب وبعد اطلاعه عن تلک الازمات حاول أن یعید الامل للمجتمع الامریکي عن طریق الترکیز علی تلک القضایا. لکن بعد وصوله للحکم اتخذ سلسلة إجراءات غیر متوقعة تجاه الشرق الاوسط؛ في حین انه کان یهاجم سیاسات ادارة اوباما إزاء المنطقة ومواقفه کانت تدل توجه لإحداث تغيير كبير في السیاسة الخارجیة الامریکیة، مقارنة بسياسة إدارة الرئيس الديمقراطي أوباما.
لکن ماهي الاسباب التي دفعت الرئس ترامب إلی تغییر موقفه؟ دولاند ترامب ومن خلال اتخاذ خطوات مفاجئة أستطاع استطاع جذب انتباه المحللين السياسيين، حیث یری الکثیر منهم بأن السبب الرئیسي في اتخاذ تلک الخطوات هو الازمات الداخلیة التي تواجهها ادارة ترامب.
وتوضیح ذلک ان النظام السياسي في الولايات المتحدة الامريكية و الاحزاب السياسية الامريكية الرئيسية کانت ولازالت تعارض مواقف دولاند ترامب، خاصة وان النظام السیاسي الامریکي یعتمد علی الاقتصاد المبني علی ابقاء النفقات العسكرية. وعلیه یمکن القول بأن اﻟﻧﻔﻘﺎت اﻟﻌﺳﮐرﯾﺔ تمثل ﻋﺑﺋﺎ ﮐﺑﯾرا ﻓﻲ ﻣﯾزانیة امریکا؛ لأن واشنطن تخصص قسما کبیرا من ميزانيتها السنوية للتسلیح العسكري. الأمر الذي جعل ادارة ترامب أن تجد نفسها امام تحدیدات کبیرة، خاصة وان شعبیة ترامب تتراجع یوماً بعد یوم لذلک نری ان السياسة التي اعتمدها مرشح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في حملته الانتخابية بدأت بالتغير.
هذا علی المستوی الداخلی. وعلی المستوی الخارجي، یمکا القول ان تعاظم قوة الصین الاقتصادیة من جهة، وتعاظم الدور الروسي في المنطقة و الذي دفع موسكو إلى الظهور على الساحة الدولية من جهة ثانیة؛ جعل ادارة ترامب تجد نفسها امام تحدیات عدیدة. هذا بالاضافة إلی تعاظم الدور الإقليمي لطهران، فالتحالف الروسي الإيراني، إدی إلی أسهم طهران في المنطقة و المعروف ان ایران من أکبر المعارضین للسیاسات الامریکیة.
الرئیس الامریکي دولاند ترامب ومن أجل التغلب علی الازمات الداخلیة حاول أن یتخذ اجراءات جدیدة حتی یستطیع ان یصل علی عدة أهداف منها، تصدیر الازمات الداخلیة وصرف انظار الراي العام، و اسکات الاحزاب المعارضة لسیاساته و ایضا تحسین صورته امام المجتمع الامریکي، فقد بینت استطلاعات الرأي التی نشرتها وسائل اعلام امریکیة تراجع شعبية ترامب و في المقابل ارتفعت نسبة شعبیة غير المؤيدين لسياسته.
لاشک ان ترامب يتعامل بغموض مقصود. اننا ومن خلال العودة لنظرية"الرجل المجنون" یمکننا تحلیل بعض تصرفات الرئیس الامریکي دولاند ترامب. و نظرية الرجل المجنون ظهرت في الأدبيات الأمريكية التي نشرت عن حرب فيتنام، و بناء علی هذه النظریة، ان الرجل الجالس في البيت الأبيض في واشنطن یعرف وکأنه مجنون، وانه سیتخذ خطوات غیر متوقعة وخطیرة إن لن یتم ارضاءه. وعلیه فأن ترامب في الوقت الراهن یحاول أن یعرض نفسه کرجل مجنون وشخصیة مخیفة وذو مواقف غیر ثابتة وخطیرة.
اننا من خلال الاعتماد علی هذه النظریة الامریکیة، یمکننا الوصول إلی الاسباب التي دفعت ترامب علی إصدار قرار یقضي بتوجیه ضربات الصاروخية على مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص في الایام الماضیة.
کما اننا نستطیع من خلال العودة إلی تلک النظریة ایضا یمکننا نفسیر التحرکات العسکریة الامریکیة ضد الیابان. وصعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حدّة تهديداته لكوريا الشمالية، خلال الایام الماضیة، ملوّحاً بخيارات عسكرية ضدها.
الرئیس الامریکي و من خلال اتخاذ تلک الخطوات، اراد ان یوجه رسالة لروسیا، والصین، وکوریا الشمالیة و ایران، لکن النتیجة کانت علی عکس توقعات مستشاري ترامب، والتي اعدها أبرز الخبراء العسكريين والأمنيين الأمريكيين.
ففي سوریا أصدرت موسکو بيانًا بشأن القصف الصاروخي الذي شنته البحرية الأمريكية على قاعدة عسكرية سورية، دعت فيه الولايات المتحدة إلی الکف عن تلک الاعتداءات. ومثلها طهران التي دانت الاعتداء و اعتبرته اعتداء سافر علی السیادة السوریة.
وحذّرت كل من روسيا وإيران في بيان مشترك الولايات المتحدة الأميركية من أنّهما ستردان بالقوة إذا تمّ تجاوز الخطوط الحمراء في سوريا.
وفي کوریا الشمالیة، أفادت مصادر مقربة من متحدث باسم وزارة الخارجية الكورية الشمالية، بأن إرسال المجموعة الأميركية البحرية الضاربة إلى مياه المنطقة يثبت أن التحركات الأميركية المتهوّرة لغزو جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية وصلت إلى مرحلة خطيرة ، لذلک ان کوریا مستعدة للرد، أياً يكن نوع الحرب الذي تريده الولايات المتحدة.
هذا الرد جاء مغایرا لتوقعات ادارة ترامب ما جعلها تجد نفسها اليوم غارقة في موقف صعب بسب خطوات الرئیس ترامب الغیر مدروسة.
لذلک السبب، حاول ترامب ان یطلب مساعدة الصین في مواجهة کوریا وذلک عندما قال إن الولايات المتحدة سوف "تحل" مشكلة التهديد النووي القادم من كوريا الشمالية.
وأما عن حلفاء واشنطن الاقلیمیین کالکیان الصهیوني، والسعودیة، وقطر، وترکیا و الاردن، یمکن القول ان هذه الدول ترحب بخطوات ترامب التصعیدیة، لان واشنطن تتعاون مع تلک الدول وتساعدها في تنفیذ سیاساتها العدوانیة تجاه دول المنطقة کالعراق و سوریا و الیمن. ودعا وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس إلی شن هجوم ضد کوریا الشمالیة ومن خلال ذلک یمکن توجیه رسالة لایران. تصریحات هذا الوزیر الصهیوني تدخل في اطار محاولات حلفا واشنطن الرامیة الي زعزعة الامن وبث النعرات الطائفیة والمذهبیة او تاجیج الصراعات. لکن مع هذا، ان محور المقاومة ستصدی لکل المؤامرات التي تحاک ضد شعوب المنطقة وسیحقق المزید من الانتصارات.
*خبیر في شؤون الشرق الأوسط
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS