الإمام الخميني وعولمة
المشروع الإسلامي الثوري

وكالة القدس للانباء
في ذكرى ارتحال الام الخميني لابد من استعادة معالم حياة هذا القائد العظيم الذي اشتملت شخصيته على أسمى المعاني الروحية والعرفانية الى جانب قدراته القيادية. ولابد أيضا من الحديث عن الانجازات المباركة التي حققتها الثورة الاسلامية في ايران وفي تأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية.
وهنا لابد من الاشارة الى انه كان من خصوصيات الخطاب الثوري للامام (قدس سره) إعادة التواصل بين القائد والشعب، الذي عبّر عن محتواه الثقافي والروحي من خلال استجابة هذا الشعب لنداء الامام. وقد تجسّد هذا التواصل من خلال الإلتزام الحقيقي بالاسلام عقيدة وشريعة ونظام حكم.
ومن خصوصيات الخطاب الثوري عند الإمام التزامه بالمفردات الاسلامية شكلا ومضمونا ، حيث انه أعاد الحياة الى تلك المفردات وجعلها حقيقة معاشة في فكر و وجدان الأمة. فلم نجد في خطاب الإمام ما آلت اليه التجارب الثورية والسياسية لجهة استعمال المفردات المختلفة، وانما رسخ معاني المفردات الاسلامية في أوساط الشعب وكان القدوة الصالحة لهم في الإلتزام بهذه المفردات. لقد أثمر الخطاب الثوري عند الامام التزاماً حقيقياً بالمفردة الاسلامية التي أصبحت الروح المحركة للشعب الايراني. وما لا شك فيه ان خصوصية الشعب الايراني تكمن في انه استطاع ان يترجم الاسلام في فكره وسلوكه ومنهج حياته. ولقد تربى هذا الشعب على تعاليم الاسلام وقيمه السمحة، حتى أصبح الاسلام ثقافة عامة للمجتمع وهوية تفاخر بحملها أفراد الشعب الايراني. ويعود الفضل في هذه التربية الى جهود قياداته الدينية الممثلة بالمرجعيات والحوزات الدينية وفي طليعتها الامام الخميني، والتزامها بتربية الشعب على الاسلام وعلى ثقافة الحكم الشرعي.
وكما هو معلوم، فإن الثورات بعامة تواجه بعض العقبات والثغرات في مسيراتها التنظيمية ، الا ان وعي الخطاب الثوري عند الإمام الخميني والتزام الشعب الايراني بدقة هذا الخطاب، ذلّل تلك العقبات والثغرات وجعل من هذه الثورة تجربة رائد ة يُقتدى بها بالنظر لما تمتعت به من مقومات تنظيمية قل نظيرها.
قيادة تاريخية رائدة واعية
ان القيادة التاريخية الرائدة الواعية التي تمثلت بالامام الخميني (رضوان الله عليه) تجاوزت الحدود الجغرافية للجمهورية الاسلامية الايرانية، وانتجت خطاباً ثورياً على مستوى الأمة الاسلامية.. هذا الخطاب أسهم في ترسيخ قناعة لدى الأغلبية الساحقة من المسلمين بأن خلاص الأمة الاسلامية لا يكون الا بالعودة الى الاسلام على مستوى التنظيم المجتمعي السياسي، وقد جاءت الثورة الاسلامية تعبيراً عن التوق الى تصميم العلاقة الوضعية الإسلامية في العالم، بتصحيح العلاقة بين المجتمع السياسي الاسلامي وبين الاسلام، ليجعل الحياة السياسية العامة قائمة على اساس الاسلام، ويجعل صيغة الدول اسلامية، ليتوافق المضمون الداخلي للمسلم مع الصيغة التنظيمية والتشريعية في حياته العامة.
إن الإمام الخميني أعاد من خلال خطابه الثوري طرح الاسلام باعتباره صيغة تنظيمية حضارية منافسة للصيغتين السائدتين الليبرالية والماركسية، وهذا ما أعاد الى المسلمين الثقة بأنفسهم، والشعور بقدرتهم على مواجهة القوى المتغلبة في العالم وعلى بناء صيغتهم السياسية الخاصة بهم.
وانعكس الخطاب الثوري عند الامام الخميني على الحركة الاسلامية العالمية، فاكتسبت في جميع مواقعها مزيدا من الثقة بالنفس ، والقدرة على المواجهة والتصدي لمشاريع وصيغ التبعية والاستلحاق والاستحواذ التي كانت ولا تزال تعاني منها شعوب الامة الاسلامية من خلال كثير من الأنظمة الحاكمة.
نلاحظ ايضا ان الامام الخميني قد استطاع تحرير الحركة الاسلامية العالمية من ترددها وأعطاها دفعاً قوياً لتتقدم في حركتها وتتعمق في فهمها ووعيها، ولتغدو بالتالي أكبر فاعلية وتأثيراً في السياسات العالمية والاقليمية ، ولتغدو واقعاً أساسياً في السياسات الدولية، ولتضيف بالتالي الى موقف المسلمين البعد الآيديولوجي والحضاري والثقافي والسياسي بعد ان كان هذا الموقف مقصوراً على التصدي السياسي في أحسن الحالات.
مفهوم الأمة عند الإمام الخميني
ورد مصطلح الأمة في القرآن الكريم موزعا بين القرآن المكي والقرآن المدني، وعلى كلا الحالتين كان الاسلام حتى آخر عهود القرآن المدني مقصوراً على العرب وحدهم في المراحل الأولى لنمو الاسلام، ولكن التفسير النظري للنص كان منذ البدايات الأولى يتجاوز العنصر العربي الى ما وراءه. لذلك نجد حينما امتدت فتوح الاسلام الفكرية والسياسية واستوعب الدين الجديد عروقاً ولغات وثقافات أخرى وفي مناطق جغرافية شديدة التنوع ، لم يقم أي شعور بأن لفظ الأمة لا يعبر عن الواقع النامي بل على العكس كان يستوعب هذا الواقع.
اذن، هناك أمة إسلامية واحدة تتجاوز عناصر اللغة والعرق واللون وترتكز على العقيدة والفكر، وهذا بحسب فهمي ، أرقى تطور فكري يصل اليه المجتمع السياسي.
وبالعودة الى مفهوم الأمة قبل الثورة الاسلامية في ايران، فقد اعتاد النظام الاستبدادي طيلة عهوده الثلاثة: الصفوي – القاجاري – والبهلوي ، على إبراز العناصر القومية والجغرافية بهدف طمس الهوية الاسلامية لمسلمي ايران. ومما لا شك فيه ان الامام الخميني (قده) بدأ ثورته في أجواء صعبة وحالكة ضد النزعة القومية التي كان الشاه المخلوع يعمل على ترسيخها. ومع انتصار الثورة المباركة عادت الحياة الى معنى الأمة الاسلامية وعاد شعب ايران للتعبير عن محتواه الثقافي الذي هو الإسلام، فانعكس المعتقد الواحد في التفكير السياسي للأمة ، وقد أدى هذا الانعكاس الى انحسار معطيات الجغرافيا واللغة والعنصر، هذه المعطيات التي عمل الاستعمار الأجنبي منذ قرون من الزمن من أجل ترسيخها في المجتمع الاسلامي ليس في ايران وحسب، بل في كل العالم الاسلامي.
اذن انتصار الثورة الاسلامية المباركة، كان بمثابة انتصار حقيقي لمفهوم الامة الاسلامية، حيث عادت الحياة الى هذا المفهوم، وبدأ يظهر مفهوم جديد للأمة يقوم على أساس الفكر والمعتقد، لا على أساس الفكر الغربي وفكر القوميات.
لقد سعى الامام الخميني لإحياء مفهوم الامة لتكون خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، لأنه لم يكن يرى ثمة تناقضا بين القومية والاسلام، فيما لو كانت القومية مجرد شعور عاطفي، هذا الشعور الذي لابد منه في داخل كل شعب لتفجير الطاقات والقوى للعمل والإنتاج في عملية التقديم، بحيث تبقى الثورة السياسية ذات طابع إسلامي نابع من مفهوم الأمة الاسلامية، الذي يحدد بالتالي وحدة الصف، ووحدة الموقف في العمل السياسي المشترك في العالم الاسلامي باعتباره جزءا من العالم الثالث في مواجهة الامبريالية، ولا يمنع ان نتطلع الى اتحاد سياسي كبير بين هذه الدول الاسلامية. بمعنى آخر يمكن القول ان القومية هي الزاد العاطفي الموضعي، والاسلام هو الاطار السياسي الأوسع الذي يضم هذه التنوعات الموجودة في العالم الاسلامي.
لاشك ان الامام الخميني سعى جاهداً من أجل ان تكون الأمة الاسلامية حية في دورها ومسؤولياتها وقراراتها بحيث يكون لها ما كان للأمة الاسلامية في زمن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) والأئمة المعصومين (ع)، الطرح الاسلامي يبقى هو هو، ان هناك أمة إسلامية تقوم على المعتقد وان هناك شعوباً إسلامية تقوم على المعطيات الجغرافية واللغوية والعنصرية.
مكونات الأمة الاسلامية
إن من جملة مكونات الامة الاسلامية، ان تأخذ بالاسلام وتعمل به ، لأنه بمعزل عن الاسلام عقيدة وشريعة ونظام حكم، فانه لن يكون بمقدور أحد من الناس إحياء مفهوم الأمة الاسلامية، ولهذا نجد ان الرسول الأكرم (ص) بعد هجرته الى المدينة يقيم الدولة بعد ان اكتمل حضور الامة، لأنه يستحيل ان تتحقق الدولة في ظل غياب الأمة بدليل ان الاسلام أول من قدّس الأمة حيث قال سبحانه وتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقد تابع الائمة (ع) هذا العمل لتبقى الأمة خير أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
لذا فإن دور الامام الخميني لم يقتصر على تسليط الضوء على ما كانت عليه الأمة في تاريخها، وإنما تعداه الى حفز الأمة وإرشادها الى ما ينبغي ان تكون عليه في النظرية والتطبيق. فالامام الخميني (رض) لم يكتف بالاشارة الى عناصر حفز الامة، بل جسّد هذه العناصر وأحيا الواقع الاسلامي من خلال مسيرة جهاده الحافلة بالتضحيات. ولا يخفى ان الاسلام حصّن الأمة ووحدتها بجملة من التشريعات الإلهية، وما لم يأخذ المسلمون بها ويقومون بترجمتها والالتزام بها، فان مفهوم الأمة سيبقى عرضة للاضطراب، وبالتالي فان ذلك سيحول دون تحقيق الهدف الاسلامي الاول، والذي يقضي بتحقيق وحدة الامة الاسلامية، لانه من غير الممكن بناء وحدة عربية او إسلامية من دون مضمون إسلامي، وان أمكن ذلك فانها لن تعيش طويلا، وأكبر دليل على ذلك هو ان الانظمة السياسية الاقليمية لم تتمكن من النجاح لأنها من دون مضمون إسلامي. وإذا تأملنا مضمون خطاب الامام الخميني ودعوته الى تحقيق الوحدة فإننا نجد حرصه الشديد على توصل الأمة الى صياغة مشروع سياسي تضمن من خلاله عزتها وكرامتها.
مشروع الإمام في الوعي والثورة والحكم
تتسم شخصية الامام الخميني بالبعد العرفاني الذي نرى فيه أحد الجوانب الايجابية في الشخصية السياسية لهذا الفقيه العرفاني، ومن هنا كانت رؤيته الفقهية تتسم بدرجة متميزة من اليقين الذي يتصف به العرفاء. هذا اليقين خفف كثيراً من المخاوف الطبيعية ، وسدّ الطريق على كثير من الشكوك التي تعتري القيادة أمام القرارات الصعبة، ومن ثم مكّن لظهور ما يسمى عادة (القاطعية) عند الامام الخميني وهي صفة لا يجوز ان يمارسها من ليس أهلا لها. ومن شروط القاطعية: التقوى والورع، الخوف من الله، والعمق الروحي ، من دون ذلك فـ (القاطعية) قد تهلك الحرث والنسل.فالبعد العرفاني، والعمق العرفاني الصافي الذي كان يتمتع به، نعتقد انه أحد العوامل المهمة التي ساهمت في قدرته على رسم مشروعه التغييري النهضوي على صعيد ايران والعالم الإسلامي معا.
لقد أدرك الإمام الخميني بوضوح وببساطة متناهية، بدون الدخول في مجادلات ومماحكات فقهية قد يختلف الرأي فيها، أدرك ان الإسلام باعتباره دينا وثقافة وشريعة وفكرا ، هو بصورة طبيعية يقتضي ان ينتج وينجز مجتمعا سياسيا، وان ينجز نظاما سياسيا، قد يختلف الرأي في ان هذا النظام السياسي والمجتمع السياسي يقوم على فكرة ونظرية ولاية الفقيه، او على فكرة ونظرية أخرى ، ولكن على كل المباني الفقهية، فلقد أدرك الإمام الخميني هذه الحقيقة وتمسك بها ولم يتردد فيها. كما وأدرك الإمام الخميني قابلية الشعب الايراني، نتيجة لتربية هذا الشعب ولمزاجه الديني، لأن يحقق هذا الإنجاز والإبداع في الإدارة السياسية. وهذا عمل موضعي كامل، وليس فيه غيبيات.
الابداع في الادارة السياسية لانتاج هذا المزيج المدهش، بين نظام المصالح الايرانية المحضة، المصالح الموضوعية المادية للشعب الايراني، ونظام المصالح الدولي، والمضمون الثقافي والروحي للشعب الإيراني وللتيار الاسلامي العالمي. لقد كانت أدارة هذا المزيج عملية مبدعة. ومن النادر ان نقع في هذا التاريخ على قدرة من هذا المستوى.
ونحن نعتبر ان الامام الخميني أطلق في إيران إرادة القوى التي تنتج وسائلها وادواتها، ولا تقتصر على الاستيراد ، ولا تبقى عارية وغير مجهزة لتطوير الصناعات عموما والصناعات الدفاعية خصوصا.
المنعطف الاساسي في المسيرة الاسلامية والعالمية
مثلت الثورة الاسلامية الايرانية التي قادها الامام الخميني منعطفا اساسيا في مسيرة العالم الاسلامي والامة الاسلامية في هذا العصر، وأحدثت آثاراً عميقة على الوضع العالمي لا تزال تتفاعل حتى الآن. ولم تؤثر على فعالية هذه الثورة جميع العقبات التي وضعت أمامها وجميع الأزمات التي مرّت بها.
وكما نعلم جميعا ان الامة الاسلامية اختبرت على ما يزيد على نصف قرن تجربة صيغة الدولة الغربية الحديثة، وفشلت هذه الصيغة في كثير من الحالات والمستويات الاقتصادية والسياسية، وكلفت الأمة غاليا في حريتها وكرامتها واستقلالها.
إن من أهم ثمار المشروع الاسلامي للامام الخميني هو انه أعاد طرح الاسلام باعتباره صيغة تنظيمية حضارية، وأعاد الى المسلمين الثقة بأنفسهم والشعور بقدرتهم على مواجهة القوى المتغلبة في العالم، وعلى بناء صيغتهم السياسية الحضارية الخاصة بهم. كما أعاد (رضوان الله تعالى عليه) الى الأمة الاسلامية في ايران دورها الشاهد والوسطي وحقق للأمة وحدتها ، حيث ان السبب الأكبر في فقدان الوسطية في المسألة السياسية للأمة الاسلامية كان ولا يزال هو التجزئة والتفرق، اذ ان اضطرار هذه الدولة او تلك من دول المسلمين للاذعان لإرادة هذه القوى العظمى او تلك، هو أثر من آثار التجزئة بالدرجة الأولى ، ولو كانت الأمة الاسلامية موحدة في إرادتها السياسية بالنسبة الى قضاياها الكبرى لاستطاعت شعوبنا ودولنا ان تختط لنفسها خطاً وسطاً في سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية، فيلغي او يخفف من سيطرة القوى العظمى على مقدرات العالم وشعوبه. وهذه هي الثمرة الكبرى التي حققها المشروع الاسلامي عند الامام الخميني حيث بعث الحياة في مفهوم الامة ووحدتها، إضافة الى ثمرات مباركة تكلكت بنجاح الثورة ومن ثم إقامة الدولة الاسلامية لتواكب حركة الامة في مسيرتها التاريخية.
وهنا تجدر الاشارة الى ان الميزة الاساسية التي اتسمت بها الدولة الاسلامية في ايران هي انطباق خصائص الدولة الاسلامية عليها، فضلا عن ان مصدر شريعة السلطة والقوانين نبع من المحتوى الثقافي للأمة وليس من مصدر ثقافي آخر، وهذا ما انعكس على تكوين ثقافة اسلامية عامة في المجتمع الايراني، كان محط اعجاب سائر المسلمين في العالم.
وعلى هذا الاساس تعتبر الجمهورية الاسلامية في ايران دولة اسلامية بالمعنى الكامل وحكومة اسلامية بالمعنى الكامل، وهي اليوم تستكمل خطواتها على طريق الأسلمة الكاملة لكافة المؤسسات إضافة الى تطهير البيئة الاجتماعية للحيلولة دون عودة الثقافات الغربية التي سبق لهذه الثورة ان قطعت صلاتها بها.
مشروع الإمام الخميني .. مميزاته وانجازاته
لقد تجلى نجاح المشروع الاسلامي الذي قاده الامام الخميني في إقامة نظام دستوري جديد، وارسى قواعد مؤسسات ثورية جديدة لم يألفها العالم الاسلامي منذ قرون، وما كان ذلك ليتم لولا التلاحم بين الشعب والقيادة، ولولا المصالحة الحقيقية التي تحققت بين باطن المسلمن وظاهره، وبين شعب ايران ونظامه، حيث لم تعد هناك مسافات وحواجز وتصدّعات في البنية النفسية او الحياتية عند الفرد او في المجتمع او في النظام.
ان امتياز المشروع الاسلامي بقيادة الامام الخميني هو انه اظهر قدرة مميزة في مواجهة التآمر الدولي الكافر في الوقت نفسه الذي اظهر قدرته الفائقة في خدمة المستضعفين في الداخل والخارج.
لقد كان تأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية بعد نجاح المشروع الاسلامي والتجارب التي قامت وتقوم بها في أسلمة مؤسسات الدولة وصياغة أسلوب للتطبيق الاسلامي في إنشاء المؤسسات وإدراتها، وفي تأصيل خط (اللاشرقية واللاغربية) في السياسية الخارجية. كل ذلك أعطى الفكر السياسي الاسلامي، وكذلك الفقه الاسلامي ثروة نظرية وعملية كان يفتقدها في العصر الحديث. هذه الثمرات للمشروع الاسلامي لا تزال تنمو بوتيرة متزايدة، ومن خلالها استطاعت الجمهورية الاسلامية ان تحدث التأثير الكبير على الفكر السياسي الاسلامي حيث غدا للاسلام حضور قوي في السياسات الدولية.
ومما تجدر الاشارة اليه هنا في سياق الحديث عن ثمرات المشروع الاسلامي عند الامام انه تعدى الاطار الديني ليخاطب الانسانية في العالم بمختلف أديانها ومشاربها حيث انه لم يميز بين مستضعف وآخر، لأن المستضعفين جميعا في العالم يقفون موقفا موحداً من الاستكبار العالمي.
ان مشروع الامام الخميني (قده) حقق نجاحات بارزة على مستوى الثقافة والسياسة والاجتماع والاقتصاد وأظهر للعالم قدرة الاسلام والمسلمين على المشاركة في صياغة المشروع الذي يحمي الإنسانية من شرور الحضارة المادية، وفي الإفادة من العلم بما يؤمن للبشرية سعادتها وازدهارها. ولهذا فإننا نجد في موقف الجمهورية الاسلامية من التقدم العلمي تجسيدا لموقف الاسلام، وهو موقف إيجابي منفتح على جميع انجازات العلم وإمكاناته، ولقد كان من الرواسي التي خلقها الغزو الثقافي في عقول كثير من المسلمين وقلوبهم، ان الاسلام يقف موقفا سلبيا من مسألة التقدم العلمي وانه لا يشجع على تطور المعرفة العلمية، ولا ينتفع من إنجازاتها. لقد كانت هذه الأكذوبة إحدى محاولات تشويه الاسلامي في نفوس ناشئة المسلمين.
إن نجاح المشروع الاسلامي وقيام الجمهورية الاسلامية وتطبيقها للمبدأ الاسلامي من الموقف من العلم قدم دليلا حسيّاً على ان الاسلام يقف من العلم وتقدمه موقفا إيجابيا ومنفتحا، لأن العلم طاقة محايدة لا يمكن ان توصف بأنها إسلامية او مسيحية ، دينية او علمانية. إن طريقة استخدام المعرفة العلمية تحددها طبيعة النظام الذي يستخدمها من الناحية الاخلاقية. إن هذا الأمر لا يتصل بالموقف من العلم، وانما يتصل بطبيعة الثقافة التي تكوّن شخصية الامة التي تمتلك المعرفة.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS