قائد الثورة ودعم أمن
وسيادة الأمم

سعد الله زارعي
وكالة القدس للانباء(قدسنا) كتب سعد الله زارعي *:
تصريحات قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي يوم الأربعاء الفائت، حول التطورات في لبنان والعراق، في مراسم تخريج جامعات ضباط الجيش، ورغم أنها كانت موجزةً وجاءت في سياق موضوع آخر، لكنها لقيت أصداءً كثيرةً في هذين البلدين، وبالطبع كان البعض "سعيداً للغاية" بها، والبعض الآخر "غاضباً".
ولكن ما ورد في كلامه، وعلى عكس ما قاله معارضو الجمهورية الإسلامية، لم يكن الدخول في الاصطفافات الحالية في لبنان والعراق، ولم يرجِّح كفة الميزان لصالح جهة محددة على حساب جهة أخرى. وما قيل في هذه الكلمة، كان من الضروري والمفيد إيلاء الاهتمام به من قبل جميع الأطياف اللبنانية والعراقية.
الإهتمام بالأمن يصب في صالح الجميع
إنّ لفت قائد الثورة الانتباه إلي مقولة "الأمن"، وأن الجميع يجب أن يأخذ الوسائل القانونية بعين الاعتبار، لن يضر المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع من أجل المطالبات المعيشية.
ومن المفارقة أن إضفاء الطابع الأمني علي الأجواء أو تجاهل التهديدات الأمنية، سيهددان في المقام الأول حياة أولئك الذين قاموا بهذه المظاهرات، كما رأينا في الأيام الأخيرة، ونتيجةً للاشتباكات بين فئات من المتظاهرين مع فئات أخرى في العراق ولبنان، قُتل أعداد من الطرفين.
كما أن إسقاط نظام أو منظومة سياسية قبل أن تكون هناك خطة بديلة صالحة، ليس في مصلحة أحد.
قائد الثورة في كلمته، كما في مواقف مماثلة، دعم أمن الشعب وسيادته على بلده، كما دافع عن استقلال وسلامة أراضي وحياة الشعوب في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وأفغانستان، في أعقاب الهجمات الأميركية والإسرائيلية والسعودية والجماعات التكفيرية ضد دول وشعوب المنطقة، دون أن يكون بالإمكان التعبير عن هذا الدعم بالكلمات الشائعة التي يشار بها إلي المستبدين.
طوال هذه الفترة، تمكنت تحذيرات السيد خامنئي من خفض الكلفة البشرية والمالية التي تدفعها الشعوب والحكومات في أوقات الأزمات أو مؤامرات الدول المعادية، وزادت في المقابل تكاليف أعدائهم بشكل كبير، وأجبرتهم على قبول الفشل.
ما جاء في خطاب السيد علي خامنئي فيما يتصل بمقولة الأمن، كان في الواقع لفت الانتباه إلي الخطر الذي يواجه لبنان والعراق. فمن ناحية، لا يعني ذلك أن خطر انعدام الأمن على نطاق واسع بات فعلياً في هذين البلدين، ومن ناحية أخرى، يعبر عن خطرٍ أصبح يهدد هذين الشعبين، ويجب القيام بفعل شيء للحيلولة دون حدوثه.
لم يمضِ وقت طويل علي تحذير قائد الثورة لبعض الحكومات الصديقة في المنطقة من خطر حدوث انعدام الأمن على نطاق واسع، وهو التحذير الذي انعكس علي أرض الواقع، لأن المخاطَب لم ينتبه لأبعاد التحذير، وبالتالي أشغل شعباً وحكومته لسنوات، وأعاق مسيرة التقدم وكلفهم الكثير من النفقات الباهظة.
خطر الاشتباكات الطائفية جادّ
لكن القليل من الاهتمام بتطورات الأيام الأخيرة في العراق ولبنان، يظهر أن بروز التهديدات الأمنية على نطاق واسع بحيث يصبح من الصعب احتوائها، خطير جداً. ومن الأمثلة على ذلك الأحداث التي وقعت في كربلاء، والتي خلفت عشرات الجرحى وتسببت بها أيدٍ خفية وبعض الجماعات المنحرفة التي تتغطى بستار الدين.
والمثال الآخر هو الأحداث التي شهدتها البصرة والعمارة في العراق، حيث امتدت الأيدي الإجرامية إلى عدد من القوات التي هزمت داعش، ولم يرض الفتنويون والأيدي الأجنبية حتي بقتلهم، بل أحرقوهم أحياءً! وهذا يدل على أن الغرض ليس قتل الناس فحسب، بل خلق توترات بين الطوائف والجماعات، الأمر الذي سيعرض سيادة الشعب ووجوده لعاصفة الفتنة، إذا انتشر وتوسَّع.
الحيلولة دون استنساخ السياسات الاستعمارية
ومن هذا المنطلق يأتي تأكيد قائد الثورة على الحفاظ على الحكومات والهياكل القانونية في لبنان والعراق. وهذا على الرغم من أن رئيس وزراء لبنان بعيد عن إيران، بينما رئيس وزراء العراق قريب من إيران، ولهذا فإن تأكيد قائد الثورة على متابعة المطالب الاقتصادية مع الحفاظ على الحكومات، لا يعني فرض حزب أو جماعة أو حتى فرض تيار ديني محدد.
إن تجربة العقود الثمانية الأخيرة في الدول العربية في شمال أفريقيا وغرب آسيا، وضياع الإنجاز في انهيار الحكومات، والانحراف في مطالب الناس، وتوفُّر الأرضية لاستنساخ السياسات الاستعمارية الأجنبية، واستمرار انعدام الأمن وقتل الناس، كما نرى في ليبيا ومصر، تظهر أن هاجس الحفاظ على الهياكل، ليس هاجس الانحياز لشخص أو طرف محدد، بل هو نفس الانحياز لصالح المطالب الشعبية، لأنه إذا لم تكن هناك حكومة فلا توجد طريقة لتلبية هذه المطالبات.
* باحث ومحلل إيراني