التفاوض.. حين دشّنت المقاومة مدرسة أخرى في فنونه!

عام ونصف العام، حمل خلالها رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نظرية "النصر المطلق"، التي باتت تصنف إسرائيليًا على أنها موضع تندر وسخرية. حاول تحقيقها تارة بالعصا وأخرى بالجزرة.
عام ونصف العام، حمل خلالها رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نظرية "النصر المطلق"، التي باتت تصنف إسرائيليًا على أنها موضع تندر وسخرية. حاول تحقيقها تارة بالعصا وأخرى بالجزرة. الجزرة التي حملها الاحتلال منذ أيام العدوان الأولى كانت تتلخص، وفق مفاهيمه، في تحقيق انتصار حاسم يأخذ به في السلم ما تعجز آلياته عن حصده في الحرب؛ شيء كان يعتقد إمكانية الحصول عليه بسهولة من خبرته الضليعة في التفاوض مع "العربي"!
لكن ثمة مفاوضات تعيده للوراء في الزمن 12 عامًا، حين فاوض على ذات الطاولة ليخرج أسرى صفقة "وفاء الأحرار" بعد سبعة سنوات من تعنته، وأذعن أخيرًا. ثمة سيناريو مرعب أن يذعن مجددًا!
وعلى قاعدة "ما لم يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد منها"، نفذ نتنياهو خطته تحت بند "الضغط"، وهو ما ردت عليه المقاومة بوضوح: "ما سنحصل عليه بألف سنحصل عليه بخمسة". لا شيء يعيق الوصول إلى ما نريد مهما كانت نتائج القوة، يقول أبو عبيدة الملثم.
خطاب الملثم كان ثمة من يحاول ترجمته في معركة سياسية لا تقل رحاها أثرًا وقوة عما كانت عليه المعركة العسكرية؛ يقف خلفها فريق تفاوضي سياسي متقن، خبر العدو جيدًا في مكره حتى من داخل زنازينه.
برز على رأسهم قائد حماس الحاج الشهيد إسماعيل هنية، ويسير بجانبه القائد الشهيد الكبير يحيى السنوار. ومن الجانب الآخر، الشهيد القائد الكبير صالح العاروري. جميع هؤلاء خبرهم الاحتلال جيدًا في مفاوضات "شاليط".
العاروري كان على رأس طاقم المفاوضات التي فاوضت لتحقيق صفقة "وفاء الأحرار". أما السنوار، فيقول عدوه إنه، ورغم كل قيودهم، فاوضهم في صفقة شاليط، وبقي مشرفًا على آخر اسم أُطلق سراحه.
من وراء الستار، فريق تنفيذي يقوده والد الشهداء خليل الحية، وعلى جانبه شخصيات سياسية تعرف جيدًا كيف تراوغ الاحتلال وتعيده إلى حظيرته من جديد. ثمة شيء لا ينطلي عليها حتى الحرف والكلمة، كما تقول الصحف العبرية في صفحاتها المنشورة يوم أمس، عندما أُعلن عن التوصل لوقف إطلاق النار.
الفريق الذي يقوده الحية ضم شخصيات عديدة برعت في التفاوض غير المباشر مع الاحتلال، خبرت كل تفاصيله في المراوغة والتهرب، عملت بصمت بعيدًا عن الأضواء وضجيجها، حتى وصلت إلى مراحل متقدمة في صياغة الاتفاق.
حجم الضغوط التي تعرضت لها حركة حماس، تبعًا لأوساطها القيادية، كانت كفيلة بأن ترغمها على أدنى المطالب، لكن صبرها وصمودها الذي تجلى في لحظات كانت تهدد مواقع إقامتها في بعض الدول، وصل إلى حد اقتناع أمريكا ومن خلفها دول غربية باستحالة تنازل الحركة.
يبرز في ملف التفاوض أسماء كثيرة، لكن من أبرزهم د. غازي حمد، عضو المكتب السياسي للحركة، وواحد من الذين شاركوا في هندسة اتفاق وقف إطلاق النار في مرات ومراحل متعددة، ومفتاح للتفاوض في صفقة شاليط كذلك.
وقال الخبير القانوني الدولي والرئيس السابق للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، د. أنيس قاسم، إن قيادة المقاومة الفلسطينية أدارت التفاوض بحكمة وقوة واقتدار، وقدرة عالية على المناورة بما يحفظ فيه حقوق ومطالب الشعب الفلسطيني.
وأوضح قاسم لـ"الرسالة نت" أن المفاوض كان يدرك ألاعيب الاحتلال ويفهم جيدًا عقلية عدوه، ويتحرك من قاعدة الحفاظ على ثوابت الموقف مع مرونة في التكتيك التفاوضي الذي يحقق له أهدافه.
وذكر قاسم أن تمسك المقاومة بثوابتها منذ اللحظة الأولى هي سابقة في تاريخ التفاوض الفلسطيني، "فهي لم تتراجع تحت الضغوط، ولم ينجح الاحتلال في تفريغها من مضمونها".
وجدد تأكيده بأن الموقف الأمريكي قائم على توفير الوقت للاحتلال ليمارس جرائمه بحق أبناء شعبنا، "أمريكا شريكة في حرب الإبادة، وهي فقط تريد وضع المقاومة في متاهة التفاصيل والمراوغة".
وبين قاسم أن الأمر يتطلب صمودًا من المقاومة وطول نفس في إدارة المشهد السياسي الذي لا يقل أهمية عن الجانب الميداني الذي لا يزال مشتعلًا رغم مرور 11 شهرًا على انطلاق المواجهة.
وأكدت د. دلال صائب عريقات، المختصة في علم التفاوض والدبلوماسية الفلسطينية، أن المطالب التي نادت بها المقاومة هي بديهية وإنسانية، وامتلكت الحق الكامل في التمسك بها.
وقالت عريقات في تصريح سابق لـ"الرسالة نت" إن المقاومة موقفها التفاوضي ثابت منذ البداية ولم تتراجع عنه، معتبرة أن مطلبها بإطار خطة تنفيذية لقرار مجلس الأمن يمثل محاولة لكسب الوقت ومنع الاحتلال من استغلاله لصالحه.
وأضافت: "إسرائيل تراوغ وتماطل، وهذه هي طريقتها الثابتة في التفاوض".
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS