في موكب عسكري مهيب
مخيم البريج يودع شهيده القائد البطل مروان عيسى

شيعت جماهير فلسطينية غفيرة ظهر الجمعة، الشهيد مروان عيسى، النائب العام لـ "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس".
في قلب مخيم البريج، حيث الدمار لا يغطي على الأمل والعزيمة، والموت لا يعني النهاية، والقتل لا يعني الاستسلام، شيعت جماهير فلسطينية غفيرة ظهر اليوم الجمعة، الشهيد مروان عيسى، النائب العام لـ "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس". كان التشييع مهيبًا، حمل فيه المقاومون جثمان القائد الذي ترعرع في هذا المخيم، لتودعه الأرض التي نشأ فيها وأحبها، على أنغام الهتافات التي تروي تاريخ مقاومة كامل.
من مستشفى شهداء الأقصى، انطلق موكب الشهيد مروان عيسى، الذي كان له حضور مميز في صفوف المقاومة، على مدار سنوات طويلة.
كان يعمل بصمت، وبعقلٍ حكيم يُعتبر الركيزة المتينة لـ "كتائب القسام". كان رفيقًا دائمًا للقائد الشهيد محمد الضيف، وأعلنت حماس عن استشهادهما في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي.
في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، حيث ال يستطيع الفلسطيني نسيان نكبته، وُلد مروان عيسى في عام 1965، ليحمل منذ نعومة أظافره حلم العودة إلى قريته المهجرة "بيت طيما" في مدينة المجدل، التي طرد منها أهله عام 1948 إبان النكبة. نشأ في بيئة مليئة بالتحديات، لكنه لم ينسَ أبدًا تلك الأرض التي سلبت منه.
وفي قلب غزة، كانت الجامعة الإسلامية هي المكان الذي تلقى فيه تعليمه، ولكن قلبه كان دومًا في مكان آخر، في "بيت طيما" التي ظل يحلم بالعودة إليها.
انضم مروان عيسى في سن مبكرة إلى حركة حماس، وكانت تلك بداية مسيرته الحافلة بالتضحيات والنضال. اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في عام 1987 خلال الانتفاضة الأولى، ليقضي خمس سنوات من السجون، في ظل التعذيب والممارسات القاسية، ولكنه بقي ثابتًا على موقفه.
لم تكسر السجون إرادته، بل زادت عزيمته، حتى وصفته إسرائيل بأنه رجل "أفعال لا أقوال"، مؤكدة أنه "ذكي جدًا لدرجة أنه يمكنه تحويل البلاستيك إلى معدن". كان عيسى عقلاً استراتيجيًا ذا رؤية نادرة، في معركة لم تقتصر على الأسلحة فحسب، بل كانت حربًا حقيقية من أجل الحرية.
كان مروان عيسى أحد القادة الذين ظلوا في الظل، بعيدًا عن الأضواء، ولكنه كان القلب النابض لـ "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس. لم يسعى إلى الشهرة، بل كان همه الأكبر أن يحقق لأهله في غزة حلم التحرر والعودة. ورغم كونه على قائمة اغتيالات الاحتلال لعقود، ظل عيسى يقاوم بصمت، محاربًا بكل ما أوتي من قوة، وكان شجاعًا في مواجهة أعتى قوات الاحتلال.
لكن قصة مروان عيسى لم تكن مجرد قصة قائد مقاوم، بل كانت أيضًا قصة أب. فقد شهدت حياته أيضًا لحظات من الحزن العميق. في عام 2009، فقد ابنه الأكبر "براء"، الذي توفي في سن التاسعة، ليُعطي مروان درسًا في أن معركة الحرية لا تتوقف عنده، بل هي معركة كل أسرة فلسطينية.
ولم يكن ذلك الحزن وحده، ففي ديسمبر 2023، استشهد ابنه الآخر محمد في غارة جوية للاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة على غزة، ليزداد قلب مروان ألمًا وحزنًا. ولكن رغم هذا الألم، لم ينكسر، بل استمر في مسيرته الثورية التي كانت في قلبها فلسطين.
مروان عيسى لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا من رموز الصمود الفلسطيني. كان رجلًا قويًا، حكيمًا، وذو رؤية عميقة لمستقبل بلاده. وعندما وُري جثمانه الثرى في مخيم البريج، كان وداعه ليس مجرد وداع شخصي، بل كان وداعًا لكل فلسطيني، ولكل أحلام العودة، ولكل تضحية قدمها من أجل الأرض والكرامة. سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الشعب الفلسطيني، وستظل كلماته تردد في صدور المقاومين: "حتى آخر نفس، سنظل نضحي من أجل فلسطين".
حينما استشهد مروان عيسى، فقدت المقاومة أحد أبرز قادتها، ولكنها لم تفقد عزيمتها. فقد كان يردد دائمًا أن الطريق إلى النصر يتطلب الإيمان بالقضية والتضحية من أجل الوطن. وفي اليوم الذي جابت فيه الجماهير أرجاء مخيم البريج بجثمانه الطاهر، كان الوداع الأخير يعكس كيف أن هذا القائد، الذي صمد أمام كل محاولات الاغتيال الإسرائيلية، استطاع أن يترك بصمة لا تُنسى في قلب كل فلسطيني.
مروان عيسى لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان جزءًا من قلب كل فلسطيني، ورمزًا حقيقيًا للمقاومة والصمود. سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الأمة، وسيبقى شهيدًا في أرضه التي طالما أحبها، يكمل مسيرة القادة الذين ضحوا من أجل حرية فلسطين.