الاثنين 24 جمادي الثانية 1447 
qodsna.ir qodsna.ir

شهادة وفاة المخطط الأمریکو- صهیونی

شهادة وفاة المخطط الأمریکو- صهیونی

 

محمد الکرافس

 

بدأت بوادر انهیار المخطط الأمریکو- صهیونی فی الشرق الأوسط تتشکل فی الأفق خاصة مع ظهور جیل جدید من الشباب فی البلدان العربیة، جیل یؤطر ذاته بعیدا عن دوالیب السیاسة ولا یؤمن بالتبعیة الأیدیولوجیة، ویؤمن بضرورة التخلص من التبعیة المخزیة للغرب التی انتهجها النظام العربی، النظام الذی نسی فی یوم من الأیام أنه یتولى إدارة شؤون الشعب ولیس إدارة شؤون أمریکا فی المنطقة.

منذ تنظیرات کوندولیزا رایس وتخطیطات رامسفیلد والشرق الأوسط یعتبر بمثابة حقل تجارب حول نوع السیاسة التطویعیة التی یجب انتهاجها قصد تطویع شعوبه وإخضاعها فی ظل استمرار تقوی العدو الصهیونی الذی یعتبر الخاسر الأکبر من انهیار أکبر الأنظمة العمیلة للحلف الأمریکو- صهیونی، حیث لوحظ استنفار النخبة الإسرائیلیة لکل قواها فی إطار محاولة الالتفاف حول الثورة المصریة، والدفع باتجاه تخویف الغرب من احتمال تولی الإخوان المسلمین للسلطة، وبالتالی انهیار جبهة عربیة خارجیة موالیة لإسرائیل ومفرملة للرغبة العربیة فی اتخاذ قرارات تعید للأمة کرامتها.

لقد انتهج مبارک منذ تولیه سیاسة تخریبیة للعقیدة القومیة التی بناها عبد الناصر، وذلک رهین بقتل الممانعة العربیة وتزییف وعی جمعی عربی حول القضیة، وهو ما سمعناه من الرئیس الصهیونی شیمون بیریز الملطخة یداه بدماء الفلسطینیین الأبریاء حین أمطر مبارک بالمدیح والإطراء والرضا، واعتبره من أقوى الحلفاء!! فهکذا یکون خدام الإمبریالیة الصهیونیة...

إن التاریخ لا یحتمل الکذب یا کوندولیزا رایس وأنت تقبعین الآن فی قمامته،فقد أظهر هذا التاریخ أن تخطیطک مفلس أمام قوة الشعوب، وأن استعداء الجماهیر والتآمر علیها مع الأنظمة العمیلة لیس مفتاحا للاستقرار، وقد کذب التاریخ أمریکا فیما قبل، حیث لا ننسى أن أهم حلفاء الغرب فی بلاد فارس الذی هو شاه إیران کان یقول عنه نظام عبد الناصر إنه خائن حتى انقلب علیه طلاب الثورة الإسلامیة، وصارت الأمور منقلبة الیوم بحیث أصبح النظام الإیرانی معادیا لأمریکا وصار فی مصر نظام عمیل لم تشهد له العمالة والتبعیة المخزیة للغرب فی التاریخ مثیلا.

إن ما کانت تنظر له رایس فی هندستها لشرق أوسطی کبیر، حمل الیوم عیدان لـَحْـدِهِ شباب الانتفاضة المصریة والتونسیة قبلهم، حیث إن التحریر وتخلیص القضیة الفلسطینیة من براثن النفاق الغربی بتعبیر المفکر العربی عبد الباری عطوان یجعل هذا الغرب یتنازل عن نفاقه ونظرته للأمور بازدواجیة.

ومن ذلک نستشف أن القضیة الفلسطینیة لن تحل حتى یتحرر العرب من أنظمة العمالة للغرب الذی یتستر على دهس القیم وحقوق الإنسان مقابل خدمة مخططاته ومصالحه الاستراتیجیة فی المنطقة ککل.

فلو کان الأمر فی بلد آخر غیر مصر، لکانت أمریکا قد هاجت وماجت وشحذت همم حلفائها حول ضرورة التدخل، لکن لغة الخشب الأمریکیة والتخبط فی التصریحات بین أوباما وکلینتون؛ وموفد الإدارة الأمریکیة إلى مصر یظهر بالملموس أن هذا الغرب لا زال غیر مستعد للتخلی عن أهم خدامه الأوفیاء، بل یدیر ظهره لصوت الشعب المصری المدوی والمجلجل وللأنباء عن قتل الصحفیین ومطاردتهم ویستمع فقط للتخوفات الآتیة من تل أبیب والتی جعلت الصهاینة فی موقف لا یحسدون علیه.

إن الاستقرار الذی تنشده أمریکا ومن یدور فی فلکها فی المنطقة بمفهومها ومقاربتها لن یکون هذه المرة ضد رغبة الشعوب، بل یمر بالأساس من بوابة الدیمقراطیة والکرامة واحترام مشاعر الآخر بدل محاولة تطویعه وتجویعه وهوما ولد حقدا دفینا فی نفوس الشباب العربی الذی لم یعد قادرا على الاستمرار فی المعاناة واجترار ویلات الخیبة والتبعیة بینما الغربی یرسم إحداثیات وعیه ویتلاعب بجینات هویته بل ویفرض علیه اتباع نسق معین للحکم کله إذلال وخنوع.

فلینصت النظام العربی لصوت شعبه ولو مرة واحدة بدل الاستهتار به والتآمر علیه مع مخابرات الغرب التی تتدخل فی کل صغیرة وکبیرة فی هذا الوطن المکلوم الذی استفاقت أجیاله الجدیدة من الوهم والخوف، وهی أجیال لها مطالبها التی تتعدى الآفاق الضیقة التی یرسمها التضییق على الحریات؛ أجیال تتواصل فیما بینها وتتقصى الأخبار من وسائط إعلامیة جدیدة بدیلة عن الوسائط الملجمة لأفواه الشعوب التی تمتلکها الأنظمة.

وفی إطار آخر بدأ النظام المصری فی وقت معین بتصدیر کذا ملیون متر مکعب من الغاز یومیا إلى إسرائیل، بینما المصریون یقضون أیامهم فی طوابیر طویلة بحثا عن قارورة غاز طائشة، فهل بهذا الاستخفاف بالمواطن ومساعدة العدو نستطیع کسب ثقة الجماهیر العریضة؟

لقد أفلست تنظیرات رایس ومن کان یسعى لاستضافتها فی شرم الشیخ، هذا المنتجع السیاحی الذی ارتبط فی المخیلة العربیة والوعی الجمعی للذاکرة العربیة بالمؤامرة وطبخ ملفات و"کولسة " مواقف معینة تخرج فی النهایة مخجلة متعثرة فی سذاجتها، حیث یستبلد النظام العربی مواطنیه ویحاول دحرجتهم عبر لعبة القبول بالأمر الواقع إلى الاستکانة والجمود، لکن هذه المرة اختلطت علیه الأوراق وقلبت علیه الشعوب الطاولة حیث کل شیء یتم الصبر علیه إلا الحریة، ما دامت هذه الکلمة هی السبیل الوحید لتشکیل معالم الانتقالات والتغیرات الجذریة عبر التاریخ فی مجموعة من المجتمعات.

إن سنة 2011 ستکون سنة عربیة بامتیاز حیث من المرجح أن یعرف العالم العربی کله ثورات وانتفاضات الشعوب ضد الأنظمة السیاسیة، وهی مقاربة تبدو إلى حد ما کرد فعل ضد المقاربات الغربیة للشرق الأوسط، حیث لم یخل اجتماع کبار القوم فی ألمانیا من محادثات حول هذا الملف الشائک الذی یشغل بال أمریکا ویؤرقها أکثر، على الأقل منذ تخلصها من عدوها اللدود: نظام صدام حسین فی العراق.

على هذا الأساس أصبح هذا الغرب یجنح دائما فی فرض سیطرته إلى الاتجاه شرقا، شرق أوروبا فیما سبق والشرق الأوسط الیوم، وذلک کنوع من بسط نفوذه على مناطق العالم وتطویعها وإیجاد أنظمة عمیلة تحافظ على مصالحه وإسرائیل نفسها تدخل ضمن هذا التنظیر، وزوالها مرتبط بالأساس بتحرر المجتمعات العربیة الإسلامیة من ربقة الاستعباد الداخلی وإسکات الأصوات بطریقة أو بأخرى، بل وصل الأمر حتى إلى خلق أصوات مأجورة تنادی وتهتف لهذه الأنظمة، هی أصوات تقتات على احتیاجات الفقراء وأمیة البعض وعلى احتکار وسائل الإعلام المحلیة.

لقد قدم الفایس بوک والانترنیت والمنتدیات الاجتماعیة اختراقا حقیقیا للخطاب السیاسی الأوحد التی تروجه الأبواق الرسمیة فی وسائلها والتی لا تعبر بتاتا عن صوت الشعوب بقدر ما ترکز على خطاب النظام العربی الذی من کثرة تکراره یسعى إلى القیام بغسیل دماغ الشعب العربی وتدجین لاءاته، من جهة. ومن جهة أخرى، فالمتأمل لتغطیة القنوات الغربیة کذلک یلمس طبیعة الخطاب الفکری المراد إیصاله والذی یتناغم مع مؤسسة الأدلجة السیاسیة الغربیة التی لا ترى فینا سوى سوق استهلاکیة عریضة لبیع السلع؛ مؤسسة لا ترى فی العرب سوى بدو همج یتیهون فی الصحراء ویرکبون الجمال وهی "البروباغندا" المغرضة التی تحاول تسویقها عبر وسائل مشبوهة ومملوکة بخیوط "کراکیزیة" لجهات تابعة للنفوذ الصهیونی.

الرئیس الأمریکی أوباما یقدم تصریحات بمقاس میلیمتری ویزن کلامه مخافة أن تنفلت الأمور من یده، ویسخط علیه مراقبوه فی تل أبیب ولذلک یستمع بأذن صاغیة لإسرائیل ویعطی لصوت الشعب العربی أذنا صماء، ما دامت الأولویة والمصلحة العلیا هی لإسرائیل الخاسر الأکبر من الثورة العربیة المجیدة استراتیجیا واقتصادیا وسیاسیا.

ویوم یتخلص الشعب العربی من تبعیته للغربی ومن عمالة أنظمته، ویوم تصیر مواقف ساسته متناغمة مع مواقف الجماهیر التی تنشد فکرا تحرریا من الطغیان، آنذاک یمکن القول إن صوت إسرائیل سیصیر مبحوحا عبر العالم ولا بوق له ما دامت أصوات الشعوب العربیة تصدح فوقه عالیة فی الآفاق.

أما التغییر المهزلة الذی أقدم علیه النظام المصری- قبل خلعه- من خلال إقصاء وجوه فی الحزب الوطنی وتغییر وجوه فی حکومة جامدة فیشبه إلى حد کبیر تغییر فردة حذاء بأخرى بدل تغییر اللباس کاملا داخلیا وخارجیا، حیث إننا نعلم جمیعا طبیعة الدساتیر العربیة التی تساوی خردة حقیقیة فی سوق الحریات وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة ما دامت تضمن للحاکم-الرئیس حصانة ضد کل الأعراف والحقوق المتفق علیها. ومن یقرأ هذه الدساتیر یصاب بخیبة أمل فی مسألة التداول على السلطة التی هی مبدأ الدیمقراطیة الحقة، کما أن الحکومات العربیة ما هی فی الحقیقة سوى حکومات إداریة لتصریف الأعمال ولیست حکومات سیاسیة تملک سلطة القرار حتى ولو صوت علیها الشعب بأکمله، لأن سقف اشتغالها محدود بطبعه ولا تستطیع أن تتجاوز ذلک السقف.

المصیبة الأخرى هی الفساد المستشری والذی أصبح قطاعا نسقیا یبتلع خیوط الاقتصادیات العربیة ویلهف عائداتها ویجعلها تصب فی مصلحته، حیث بتنا نسمع عن مداخیل مهمة فی کذا وکذا، بینما لا یلمس المواطن العربی من ذلک سوى لهیب الزیادة فی الأسعار والضرائب وغلاء المعیشة. والمثال هنا هو الزراعة التی تم إقبارها فی مصر وهی التی ارتبطت فی تاریخ الوجود البشری بکون المصریین من أول الشعوب التی زرعت وأخرجت من الأرض بقلها وثمارها؛ مصر البقعة الطاهرة التی یمر فیها أکبر نهر فی العالم تعانی أزمة غذاء بفعل سیاسة عمیلة أدخلت البلاد فی تبعیة عمیاء لأمریکا مقابل معونة سنویة.

فی الأخیر، تجدر الإشارة إلى أن الشرق الأوسط بما هو علیه من ثروة طبیعیة وطاقیة وبشریة الیوم، یتجاوز کل التنظیرات المشؤومة التی دعت إلیها کوندولیزا رایس، حیث أعلنت الشعوب العربیة صراحة شهادة وفاة هذا المخطط الأمریکو- صهیونی، بمطالب باتت تتجاوز هذا الجمود والاستعباد السیاسی الضیق إلى الانعتاق والکرامة والعدالة الاجتماعیة والاستفادة المباشرة من الثروات، وهو مؤشر صریح على ضرورة استفادة أمریکا من هذه الدروس، دروس یکتبها الشعب بمداد التضحیة على جبین التاریخ ولا تمحی أبدا بمرور الدهر.

ن/25


| رمز الموضوع: 143204







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)