qodsna.ir qodsna.ir

یهودیّة الدولة... وهدم البیوت العربیّة فی القدس وال-48

 

إستلمت وکالة قدسنا المقال التالی من المحامی سعید نفاع :

عمر هدم البیوت العربیّة کعمر نکبة أهلها  فلم تتوقف على مدى ال-62 سنة الماضیة ولا للحظة ابتداء بالهدم الکبیر لکل القرى والأحیاء الفلسطینیّة التی هُجّر أهلها عام 1948 ومرورا بالهدم الواسع الذی طال قرى بدویّة کاملة فی النقب حتى العام 1959 ومنذها لم یتوقف الهدم الدوریّ للبیوت العربیّة بحجة البناء غیر المرخّص فی کل القرى العربیّة.

عندما بدأت القوات الیهودیّة حملتها التطهیریة فی العام 1947 من القرن الماضی کانت الأوامر التی تلقتها واضحة لا لبس فیها، وعلى سبیل المثال کان دافید بن غوریون إثر انطلاق وحدات النخبة فی الهجناه "البلماح" فی عملیّة نحشون ضد قرى غرب القدس والقدس، بوضعه اللمسات الأخیرة على الخطّة یصادق على : "الهدف الرئیسی للعملیّة هو تدمیر القرى العربیّة".

وقد أزیلت من الوجود فی المنطقة 39 قریة عدا اثنتین لسخریة الأقدار "أنقذتهما" عصابة شتیرن بسبب علاقة مخاتیرهما معها فالهجناه کانت ترید إلحاقهما بالأخریات. أمّا فی القدس نفسها فأزیلت ثمانیة أحیاء لم یتُبق منها إلا البیوت القابلة للسکن بعد أن استولت علیها عائلات یهودیّة ما زالت تسکن فیها وبعضها صار مکاتب لمؤسسات الدولة الجدیدة ما زالت تستخدم حتى الیوم لهذا الهدف.

 

ما هو وضع القدس الیوم ؟

 

مؤسسة "سینات" للبحوث الأقتصادیّة والاجتماعیّة والسیاسیّة خاضت فی هذا الموضوع فی نشرتها رقم 379 من تشرین الأول 2009، وحسبها:

"عشیّة حرب ال-67 کانت مساحة القدس الغربیّة 38 کم2 ومساحة القدس الشرقیّة 6.5 کم2 ، وبعد الحرب ضمّت إسرائیل مساحة 70.5 کم2 شملت المدینة و-27 قریة کانت خارج مسطح المدینة الشرقیّة، بلغ عدد سکان هذا المحیط قرابة 195,000 إسرائیلی و-69,500 فلسطینی. ومنذ ذلک الوقت وحتى الیوم اتبعت إسرائیل سیاسة تخطیط وبناء مستمدة من ومعتمدة على الصراع القومیّ على المدینة، سیاسة تهدف إلى تعزیز أکثریّة یهودیّة فی مسطح المدینة لإفشال أی إمکانیّة مستقبلیّة لتقسیم المدینة".

کل من یرى المدینة الیوم ویعیشها یدرک دون جهد أن هذا هو الواقع، ومثلما صار حلّ الدولتین لشعبین شبه مستحیل التحقیق وفق المعطیات المیدانیّة وبغیاب استراتیجیّة بدیلة ألا یجب أن یرقى الفلسطینیون إلى الدولة الواحدة؟ أو على الأقل ألیس هنالک مکان لطرح المدینة الواحدة والعاصمة للدولتین إذا صار أن تحوّل شبه المستحیل هذا إلى إمکانیّة؟!

وتضیف النشرة:

"الآلیّة المرکزیّة التی التی استعملتها حکومة إسرائیل هی مصادرة الأراضی الخاصّة فقد صادرت أکثر من 24,000 دونم من مالکیها والتی تشکل 35% من مسطح المدینة الشرقیّة وعلى هذه المساحة أقامت الحکومة قرابة ال-50,000 وحدة سکن للیهود، أمّا للعرب فقد أقیم أقل من 600 وحدة بمساعدة حومیّة أو ما شابه.

علائم هذه السیاسة ملموسة فی مجال البناء فی القدس الشرقیّة فمنذ سنة 1967 أصدرت البلدیّة قرابة ال-4000 رخصة بناء بنی طبقها 8000 وحدة سکنیّة رغم أن عدد سکان القدس الشرقیّة ارتفع فی هذه الفترة بحوالی 200,000 نسمة. ففی سنة 1967 کان فی المدینة قرابة ال-12,500 وحدة سکن وصلت الیوم إلى 40,000 بمعنى أن سیاسة التخطیط لم تعط ولو بدایة إجابة لحاجات العرب السکنیّة، وهنالک 50% من الدور بدون ترخیص صادرة بحقها أوامر هدم تنفّذ بین الحین والآخر".

هکذا هو الوضع مؤخرا فی حیّ سلوان المنوی إزالته کلیا بمئات بیوته بحجة أنه مبنیّ على منطقة معلنة کمتنزه وطنیّ رغم ملکیتها الخاصة للسکان العرب. ومع هذا هل نجحت سیاسة التخطیط الإسرائیلیّة؟

السکان الیهود فی مسطح المدینة الشرقیّة یکونون الیوم A وفی سنة 1967 کان الفلسطینیون یشکلون فی کامل المسطح %.5 أما الیوم فیشکلون 5 وحسب التوقعات الدیموغرافیّة سیکون العرب غالبیّة بعد 20 سنة.    

وما هو الوضع فی مناطق ال-48؟  

هنالک مئات أوامر الهدم وتنفذها السلطات انتقائیا حسب سیاسة موجهة ممنهجة یصعب أحیانا فهم هذه الانتقائیّة. فی الأشهر الأخیرة هدم فی الطیرة فی المثلث بیت من ثمان شقق وآخر من شقتین هدمه صاحبه بیدیه  بعد أن قصرت یداه عن تحمّل تکالیف الإجراءات القانونیّة ، وفی أم الفحم هدم سوق تجاری للمرّة الثانیة، وفی المشیرفة فی المثلث الشمالی هدم قبل أسابیع بیت إضافی مشمول فی الخارطة المودعة والتی حسب القانون وبشروط معیّنة یمکن استصدار ترخیص له ورغم ذلک هدم ، وفی بیت جن فی الجلیل صدرت أوامر هدم بحق ثلاثة بیوت وأدخل أصحابها السجن، وفی الأسبوع الأخیر هدم بیت فی قریة مصمص فی المثلث الشمالی.

عرب النقب والذی یبلغ عددهم 180,000 نسمة والذین ضاعفوا عددهم منذ النکبة ب-17 مرّة فی حین ضاعف بقیّة أبناء الشعب الفلسطینی عددهم بین 7-8 مرات، یتعرضون لإزالة بیوت قرى کاملة فی شتى أماکن تواجدهم  والحجة أنهم یستولون على أراضی الدولة مانعین تهوید النقب. لا یمر شهر دون أن تهدم هنالک عشرات البیوت لإجبار أهالیها على النزوح وقبول سیاسة التجمیع فی مجمعات "مدنیّة" لا تلبث أن تصیر بلدات فقر أحیاؤها أشبه بالمخیمات تأکلها البطالة والظروف المعیشیّة التی لا تطاق.

هذا الزخم فی الهدم الزاحف هدم البیوت فی مناطق ال-48 یثیر مجموعة من التساؤلات: فهل فعلا لا حلّ لآلاف البیوت (قرابة ال-7000 بیت حسب بعض الإحصائیات دون الأخذ بالحسبان قرى کاملة فی النقب اصطلح على تسمیتها القرى غیر المعترف بها)؟ وهل العرب غواة مخالفات قوانین؟

أم أن هنالک وراء الأکمة ما وراءها وأن هذه السیاسة تصبّ فی سیاسة التهوید وجزء من هذه السیاسة، رغم عدم الإعلان عنها فی هذا السیاق کما فی القدس، لکن المعلن عنها فی سیاقات أخرى بوضوح ؟

لو أرادت السلطة أن تحلّ قضیة البیوت غیر المرخصّة وقضیّة السکن من أساسها لتأتى الأمر وبأسهل السبل، وذلک باعتماد المعاییر التخطیطیّة العلمیّة فالازدیاد فی النمو السکانی مُقدّر وحاجة هذا النمو للبیوت معروفة وما یسمى "استطلاع ملکیّة" لرصد الأرض هیّن المنال. وکل هذه المعاییر من السهل اتباعها وتفضی إلى معرفة الکمیّة المطلوبة من الأراضی ومن یتبقى من الأهالی دون ملک داخل المخطط تخصص له مساحات من "أراضی الدولة" (أراض أصلها طبعا للعرب وکان استولی علیها)، فتحل المشکلة.

ومن التعمیم إلى التخصیص بیت جن قریة یبلغ عدد سکانها الیوم 11,000 نسمة وحسب معدل النمو السکانی سیبلغ عدد سکانها سنة ال-2020 حوالی ال-18,000 نسمة وهی بحاجة ل-700 وحدة سکنیّة أی إلى 350 دونم تضاف للمخطط ولکن بسبب الملکیّة الخاصة حسب "استطلاع الملکیّة" إذ أن قلة من العائلات تملک غالبیّة ال-350 دونم هذه  فلا توفر هذه إلاضافة ال-700 وحدة فتبقى مئات العائلات دون إمکانیة الأستفادة من هذه الزیادة مضطرة أن تبنی على أراضیها خارج المسطح وبدون ترخیص، وهذا حال کل القرى العربیّة فی مناطق ال-48.

هل المُخطِّط لا یعرف هذا الواقع ؟

یعرف ویحرف کما یقال عندنا ووراء انحرافه الهدف المبیّت أن یبقی هذا الوضع لیصیر هؤلاء المحرومون بقرة حلوب لخزائن الدولة بفرض الجزوات المالیّة الباهظة علیهم، ومرة أخرى لنأخذ أصحاب البیوت التی سجنوا من بیت جن کمثال لآلاف أصحاب البیوت فی القرى العربیّة، فقد فرضت علیهم غرامات بلغت ال-130,000 دولار یعنی دخل عائلة متوسطة  لمدة 9 سنوات.

یهودیّة الدولة ممارسةً هی الهدف !

هذه السیاسة هی ممارسة میدانیّة ل "یهودیّة الدولة" ودون وقبل الاعتراف المطلوب الیوم بیهودیتها من المفاوض الفلسطینی والعربی. فالخنق هذا وتکدیر العیش هذا  والهادفین والمفضیین إلى ترحیل بطیء للعرب هو جزء من ممارسة یهودیّة الدولة.

وإذا فتشت عن دلیل ف"المؤسسة للاستراتیجیّة الصهیونیّة" تنبئک الخبر الیقین، ففی بحث أجرته وتحت عنوان : الأحوال الدیموغرافیّة فی أرض إسرائیل (هکذا تسمى کل فلسطین بلسانهم) بین عام 1800 إلى عام 2007 تفید:

"منذ أکثر من مائة سنة ومنذ بدء نشاط الحرکة الصهیونیّة والتوقعات التشاؤمیّة تضع شکا حول أن یکون الیهود أکثریّة فی أرض إسرائیل ولکن رغم هذه التوقعات فقد ارتفعت نسبتهم بین السنوات أعلاه من %5 إلى `."

وتضیف المؤسسة تساؤلا:

"لماذا لم تحافظ الزیادة الطبیعیّة للعرب والتی تزید کثیرا عنها لدى الیهود على أکثریّة عربیّة فی أرض إسرائیل؟

وتجیب على ذلک: "بأن الیهود فی أرض إسرائیل وکذلک المسیحیین قد وصلوا إلى ما یسمى "النقلة الدیموغرافیّة" بمعنى أنه تساوت عندهم الوفیات والولادات بعبورهم کل مراحل "النقلة الدیموغرافیّة" ودخلوا مرحلة ثبات العدد. والمعطیات الدیموغرافیّة تشیر إلى أن المسلمین فی إسرائیل ویهودا والسامرة متأثرون ب"النقلة الدیموغرافیّة" وموجودون الیوم فی مرحلة الانخفاض المتسارع فی الولادة".

وتخلص إلى:

"الانخفاض المتسارع فی الازدیاد الطبیعی لدى العرب ومعه هجرة العرب إلى خارج أرض إسرائیل وبالمقابل استمرار الهجرة الیهودیّة إلى إسرائیل هما الکفیلان باستمرار ازدیاد وتحصین الغالبیّة الیهودیّة".

الخلاصة : أولیس خنق العرب کذلک سکنیا بهدم بیوتهم وسلب إمکانیّة بنائها أصلا وبالذات فی القدس وضواحیها وفی ال-48 (غالبیّة الدولة الیهودیة الدائمة إذا صار حلا) جزء من جعل "نقلتهم الدیموغرافیّة" سلبیّة ومن ثمّ ممارسة لیهودیّة الدولة میدانیا باعتراف ودون اعتراف ؟

فما الذی سیحصل إذا تمّ الاعتراف؟!     

  ن/25


| رمز الموضوع: 141291