qodsna.ir qodsna.ir

مؤتمر "الأردن هو فلسطین"

مؤتمر "الأردن هو فلسطین"

 

نقولا ناصر

 

قد تبدو الدعوة، بالنسبة للبعض، إلى استنفار وطنی فی فلسطین والأردن ضد مؤتمر "الأردن هو فلسطین" المقرر عقده فی تل أبیب فی الخامس من الشهر المقبل دعوة تعطی أهمیة مبالغا فیها للداعین إلیه من الاتحاد القومی الذی یضم أربعة أحزاب إسرائیلیة لها سبعة مقاعد فی الکنیست وتقف فی أقصى یمین الحکومة الیمینیة لدولة الاحتلال الإسرائیلی التی یرأسها بنیامین نتنیاهو وغیر ممثلة فیها، یکون نجمه خیرط فیلدرز زعیم ثالث اکبر حزب سیاسی فی هولندا. لکن مجموعة من الأسباب السیاسیة والمبدئیة تدحض أی اتهام بالمبالغة فی أی دعوة کهذه.

وأول هذه الأسباب أن عقد مثل هذا المؤتمر یوفر مناسبة لتعزیز الوحدة الوطنیة فی المملکة تسلط الأضواء على العدو الحقیقی للأردن وفلسطین معا ولتوجیه کل الجهود المشترکة، الحکومیة والشعبیة، نحو درء الخطر الکامن والمحدق الذی یرمز هذا المؤتمر إلیه.

وثانیها أن المؤتمر یمثل من حیث المبدأ مشروع خطة صهیونیة قدیمة متجددة لنفی الدولة الوطنیة القائمة فی الأردن وتلک المأمولة فی فلسطین.

وثالثها أن المؤتمر یمثل دعوة علنیة إلى إجهاض حل الدولتین المدعوم من المجتمع الدولی، وبخاصة القوى الفاعلة فیه الممثلة فی اللجنة الرباعیة الدولیة للأمم المتحدة والولایات المتحدة والاتحادین الأوروبی والروسی، والمجمع علیه عربیا، وبالتالی یمثل دعوة إلى إجهاض "عملیة السلام" التی تعتمد هذا الحل أساسا لها.

ورابعها أن الاتحاد القومی للأحزاب الإسرائیلیة الأربعة الداعیة إلیه ممثل بسبعة مقاعد فی الکنیست الإسرائیلی تمثل "شبکة أمان" لبقاء حکومة نتنیاهو التی تمنع سیاساتها استئناف عملیة السلام حتى الآن، أو کما قال عضو الکنیست عن "الاتحاد القومی" وزعیم حزب هاتیکفا، البروفسور آرییه الداد، تمثل "العمود الفقری الفولاذی للائتلاف الوطنی الذی یقوده نتنیاهو کرئیس للوزراء"، وهی إن لم تکن ممثلة فی حکومته فإن "المستوطن" أفیغدور لیبرمان وزیر الخارجیة فیها وحزبه "إسرائیل بیتنا" یمثلون القواعد الرئیسیة لأحزاب هذا الاتحاد من المستوطنین الذین انتخبوهم، وبالتالی فإن الداعین للمؤتمر لیسوا قوة سیاسیة هامشیة بل إنهم یمثلون نفوذا سیاسیا أکبر من حجم تمثیلهم فی الکنیست بکثیر.

وخامس الأسباب أن الداعین لمؤتمر "الأردن هو فلسطین" قد منحوه صبغة "دولیة"، فنجم المؤتمر الذی سیلقی الخطاب الرئیسی الثانی فیه بعد خطاب الداد هو زعیم الحملة المعادیة للإسلام فی أوروبا، خیرط فیلدرز، الذی خرج حزبه بالمرتبة الثالثة فی الانتخابات الهولندیة فی آذار/ مارس الماضی لیتحول إلى حزب رئیسی فی هولندا له 24 مقعدا من 150 مقعدا فی البرلمان الهولندی، ولأن فیلدرز یتبنى علنا ومتحمسا دعوة "الأردن هو فلسطین" فإن هذه الدعوة قد أصبحت تحظى بتأیید لها فی هولندا أکبر من التأیید الذی تحظى به فی دولة الاحتلال الإسرائیلی نفسها، وهذا التأیید الهولندی لیس معزولا دولیا إذا تذکر المرء الدعوة المماثلة التی أطلقها المرشح للرئاسة الأمیرکیة عن الحزب الجمهوری جون مکین عام 2008.

وسادس هذه الأسباب أنه لا ینبغی الاستهانة أردنیا وفلسطینیا وعربیا وإسلامیا بدعوة کهذه مهما کان وزن أو عدد الداعین إلیها للتسامح مع عقد مؤتمر یدعو إلیها مهما بلغ حجمه وتأثیره فی وقت یطارد ویحاصر "الشرکاء فی عملیة السلام" کل من یعارض "حل الدولتین" من العرب بعامة وعرب فلسطین بخاصة باعتبارهم "إرهابیین" معادین للسلام، لا بل یطاردون کل کلمة وعبارة معارضة أو قد یفهم منها بأنها یمکن أن تعرقل "عملیة السلام" على أساس هذا الحل فی وسائل الإعلام وفی المناهج الدراسیة وحتى فی الکتب المقدسة وبخاصة القرآن الکریم، بینما یسمح بحریة الحرکة والاجتماع والتعبیر والتمویل لیس لمن یعارض هذا الحل من الإسرائیلیین فحسب، بل لمن یعمل منهم جهارا نهارا من أجل إجهاضه بکل الوسائل حتى الإرهابیة منها کما هو الحال مع الداعین لمؤتمر "الأردن هو فلسطین".

وسابعها اللغة المستهینة بالأردن وشعبه التی تقول إنه یکفی تغییر اسمه لحل الصراع العربی الإسرائیلی، کما قال فیلدرز، وکأنما الأردن "أحجار شطرنج تحرکها أیاد خارجیة" کما سبق لمدیر تحریر العرب الیوم فهد الخیطان القول.

قال البروفسور الداد إن "الهدف من المؤتمر هو تقدیم خطة بدیلة لحل الدولتین". ولا یسع المراقب إلا أن یعود إلى ازدواجیة المعاییر الأمیرکیة– الأوروبیة التی مولت ودعمت الانقلاب على نتائج الانتخابات التشریعیة لسلطة الحکم الذاتی الفلسطینی عام 2006 فخلقت الانقسام الفلسطینی الراهن وما زالت تمنع الوحدة الوطنیة الفلسطینیة وتسوغ الحصار غیر الإنسانی الخانق المفروض على قطاع غزة منذ ذلک الحین بحجة أن حرکة حماس الحاکمة فی القطاع تعارض هذا الحل بمعطیاته الحالیة، بینما تسوغ باسم الدیمقراطیة وجود الداد واتحاد أحزابه "مولیدیت وهاتیکفا وتکوما وأرض اسرائیل شیلانو" فی الکنیست کـ"شبکة أمان" لبقاء حکومة نتنیاهو فی السلطة.

لقد نسبت صحیفة هآرتس لالداد قوله إن "إقامة دولة فلسطینیة فی الضفة الغربیة لنهر الأردن یمثل خطرا على وجود إسرائیل"، وقال ظهیره الهولندی فیلدرز فی حزیران/یونیو الماضی إن تغییر اسم الأردن إلى "فلسطین سوف ینهی الصراع فی الشرق الأوسط ویوفر للفلسطینیین وطنا بدیلا". وإذا کان رد الفعل الأردنی على أمثال هذه التصریحات ما زال أقل من خطورتها، فإن شبه الصمت الفلسطینی حیال الدعوة نفسها سواء باللغة العبریة أم باللغة الهولندیة یحتاج إلى تنشیط وإذا استمر بعد ذلک فإنه سیکون بحاجة إلى تفسیر، وبخاصة من القیادة المفاوضة.

وکان رئیس الکنیست رؤوفین ریفلین قد رفض طلبا من الداد لعقد المؤتمر فی الکنیست خشیة المساس بالعلاقات الدبلوماسیة مع الأردن، وخلال عام 2009 الماضی عرض الداد مناقشة المسألة فی لجنة الشؤون الخارجیة والدفاع بالکنیست لکن رئیس اللجنة تزاخی هانیغبی رفض لأن ذلک یمکنه أن "یزعج الأردنیین". لکن الأردنیین کما یبدو غیر منزعجین بالقدر الکافی لکی تتجرأ أحزاب توفر لحکومة دولة الاحتلال الإسرائیلی الحالیة شبکة أمان برلمانیة على عقد مؤتمر "دولی" یتجرأ على سیادة دولة جارة وقعت معها معاهدة سلام حد اقتراح إملاء اسم جدید لها علیها.

وإذا لم یکن هذا سببا کافیا فی الأقل للتهدید بتعلیق العمل بمعاهدة السلام الأردنیة الإسرائیلیة فإنه سبب یکفی لاستدعاء السفیر الأردنی من تل الربیع التی أصبح اسمها تل أبیب إن لم تجد الحکومة الأردنیة سببا کافیا لسحبه أو لقطع العلاقات الدبلوماسیة، ناهیک عن تجمید معاهدة السلام، وهذا أضعف الإیمان. وقد کانت الحکومة الأردنیة قد احتجت لسفیر دولة الاحتلال فی عمان على مجرد تصریحات مماثلة للبروفسور الداد عام 2008، ومن الواضح أن خطورة عقد مؤتمر له أبعاد دولیة للغرض نفسه یتجاوز خطورة تصریحات استحقت الاحتجاج فی حینه.

أما الهولندی خیرط فیلدرز فإن الأردنیین ما زالوا یتذکرون المطالبات "البرلمانیة" بطرد سفیر هولندا من العاصمة عمان وقطع العلاقات الدبلوماسیة معها على خلفیة الإدانات الشعبیة الواسعة لتبنی فیلدرز وعرضه فیلم "فتنة" المشوه للاسلام والمحرض علیه والمسیء لرسوله، ویتساءلون عما آلت إلیه القضیة المرفوعة ضد فیلدرز أمام القضاء الأردنی فی الأول من تموز/یولیو 2008 وما حل بفکرة الطلب الأردنی من "الانتربول" الدولی لجلبه، إذ لا یبدو أن فیلدرز منزعج من أی احتمال لإلقاء القبض علیه، ربما متشجعا بسابقة مذکرة الجلب الأردنیة الصادرة فی التاریخ نفسه أیضا بحق رسام الکاریکاتیر الدنمارکی صاحب الرسوم المسیئة للنبی محمد کیرت فیسترغارد عام 2005 التی طواها النسیان.

إن تنشیط الملاحقة القضائیة الأردنیة لفیلدرز عبر الانتربول هو أضعف الإیمان فی حال قررت الحکومة الأردنیة بأن حضوره لمؤتمر یستهدف البحث عن أفضل الطرق لمحو الأردن عن الخریطة الجغرافیة والسیاسیة بینما یتزعم ثالث أکبر حزب سیاسی فی بلاده هو أمر لا یستحق المخاطرة بتعکیر العلاقات الثنائیة الحسنة مع بلاده.

وکان فیلدرز بعد بضعة أشهر من قبول القضاء الأردنی للدعوى المرفوعة ضده، فی الرابع عشر من کانون الأول/دیسمبر 2008، قد زار القدس المحتلة متحدیا حیث ألقى خطابا فی "عاصمة الدیمقراطیة الوحیدة فی الشرق الأوسط بکامله" تبجح فیه قائلا" عندما کنت یافعا عشت لبضع سنوات هنا فی هذه المدینة وبعد ذلک زرت اسرائیل مرات أکثر مما أستطیع أن أتذکر"، مضیفا: "إن محاولة الأردن مقاضاتی هو انتهاک لسیادة بلدی، هولندا. إنه انتهاک لحریة الکلام. إن محاولة الأردن هی فی الحقیقة عمل معادی للحریة نفسها. وإذا نجح الأردن فی مقاضاة عضو منتخب دیمقراطیا فی برلمان غربی، فما هو نوع السابقة التی یؤسسها ذلک؟"

ولا یسع المواطن الأردنی إلا أن یتساءل بدوره عن نوع السابقة التی یؤسسها السماح بأن یفلت من العقاب شخص مثل خیرط فیلدرز یسعى جاهدا إلى محو بلاده عن خریطة العالم؟.

ن/25

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 141502